فإذا ثبت أنها قد ذهبت هدرا، فهل على القاطع التعزير أم لا؟ فإن كان جاهلا بأنها يساره فلا تعزير عليه لأنه ما قصد قطعها بغير حق، وإن قطعها مع العلم بحاله فعليه التعزير، لأنه قطع يدا عمدا بغير حق، وليس إذا سقط حق الآدمي بالبذل سقط حق الله تعالى، كما لو قال له اقتل عبدي فقتله، سقط عنه الضمان الذي هو للسيد، ولم يسقط حق الله من الكفارة.
فإذا ثبت أن يساره هدر، فالقود باق في يمينه، لأنه وجب عليه حق فبذل غيره لا على سبيل العوض، فلم يسقط عنه الحق، كما لو وجب عليه قطع يمينه، فأهدى إلى المجني عليه مالا وثيابا لا على سبيل العوض عن اليمين، فقبل ذلك المجني عليه لم يسقط القصاص به عن اليمين.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يسقط عنه القود، لأنا قد بينا فيما تقدم أن اليسار يقطع باليمين إذا لم يكن يمين، وما ذكروه قوي.
وأما من وجب عليه قطع اليمين في السرقة فأخرج يساره فقطعت سقط القطع عنه في اليمين بلا خلاف، لأنه من حقوق الله وهي مبنية على التسهيل والتخفيف.
فإذا ثبت أن القصاص باق في يمينه، فإن له قطع اليمين قصاصا، لكن ليس له قطعها حتى يندمل يساره، لأنا لو قطعنا يمينه قبل اندمال اليسار، ربما سرى إلى نفسه عن القطعين فتلف بسراية قطعين أحدهما بحق والآخر بغير حق.
فإذا اندملت يساره قطع يمينه، وإن سرت إلى نفسه كانت نفسه هدرا لأن القطع إذا لم يكن مضمونا كانت السراية غير مضمونة، وسقط القصاص عن يمينه بفواته، و يكون فواته إلى دية اليد يجب للمجني عليه في تركته، لأن القصاص سقط بغير اختيار المستقيد فكان سقوطه إلى مال.
فأما إن اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة، فقال: ما سمعت منه أخرج يمينك بل طرق سمعي أخرج يسارك، أو قال سمعته يقول أخرج يمينك وكنت على اخراجها فدهشت فأخرجت يساري معتقدا أنها يميني، أو قال: سمعته وعلمت أنها يساري