كلما بعد وقصر مدى البصر العليلة، كان أكثر لحقه، فلهذا غيرنا الشخص.
فإذا عرفنا قدر المسافة ذرعا عصبنا الصحيحة، وأطلقنا العليلة ونصبنا له شخصا ولا يزال يتباعد عنه حتى يقول لا أبصره بعد هذا، وقصده ههنا تقليل المسافة ليكثر حقه فإذا فعل هذا أدرنا بالشخص من ناحية إلى ناحية وكلفناه أن ينظر إليه، فإن اتفقت المسافتان علم صدقه، وإن اختلفتا علم كذبه، فلا يزال معه حتى يسكن النفس إلى صدقه، فيمسح المسافة ههنا، وينظر ما بين المسافتين، فيؤخذ بالحصة من الدية مثل السمع سواء.
وإن زعم أهل الخبرة والطب أن بصره يقل إذا بعدت المسافة، ويكثر إذا قربت، وأمكن هذا في المذارعة عملت عليه، بيانه أن يقال الرجل يبصر إلى مائة ذراع، وهذا منتهى بصره، فإذا أراد أن يبصر على مائتي ذراع احتاج إلى ضعفي ذلك البصر لبعده، فعلى هذا إذا أبصر بالصحيحة إلى مائتي ذراع والبصر بالعليلة إلى مائة علمنا أنه قد نقص ثلثا ضوئها لأنها لا يستدرك المائة التي بعد هذه المائة إلا بضعفي بصره، فيعلم أنه قد نقص ثلثا ضوئها، فنوجب ثلثي الدية، وهذا عندي أنه لا يضبط.
فإن قلع عينا فيها بياض على بياضها أو سوادها أو على الناظر غير أنه لا يحجز البصر، وعين الجاني ليس ذلك عليها قلعناها بها لأن هذا لا يغير حكمها، فهو كالثؤلول على اليد، ويد الجاني لا شئ عليها فإنها يقطع بها، فإن نقص بصره بهذا البياض وضوؤهما فإن عرف لذلك قدر أوجبت الدية بالحصة فيها، وأما القصاص فلا يجب لأنه لا يؤخذ السليمة الصحيحة بالناقصة وإن لم يعرف قدر نقصان الضوء ففيها حكومة وإن جنا عليها فبدرت أو شخصت أو احولت ففيها حكومة لأنه شين.
إذا قلع عينه فقال المجني عليه كانت بصيرة وقال الجاني كانت عمياء، فإن لم يسلم له الجاني ذلك، بل قال ولد أعمى فالقول قول الجاني مع يمينه، لأن هذا مما لا يتعذر على المجني عليه إقامة البينة به، فإن هذا لا يخفى على أهله وعشيرته وجيرانه ومعامليه.