لأن الحادث ههنا وجوب دية ما بعد الإصبع فهو عفو وإبراء عما لم يجب فلا يصح العفو عنه.
فأما إذا سرا إلى نفسه فالقود في النفس لا يجب لأنه عفا عن القود في الإصبع، وإذا سقط فيها سقط في الكل لأن القصاص لا يتبعض، وهذا القصاص يسقط عن النفس سواء قلنا تصح الوصية من القاتل أو لا نقول، لأن القولين معا فيما كان مالا.
فأما القصاص فإنه يصح لأنه ليس بمال بدليل أنه قد يعفو عن القود من لا يصح أن يعفو عن المال، وهو المحجور عليه لسفه، فلو كان القصاص مالا ما صح عفو السفيه عنه والذي رواه أصحابنا أنه إذا جنى عليه فعفا المجني عليه عنها ثم سرا إلى نفسه كان لأوليائه القود إذا ردوا دية ما عفا عنه على أولياء المقتص منه، فإن لم يردوا لم يكن لهم القود.
فأما دية النفس فلا يخلو إما أن يقول عفوت عنها وما يحدث من عقلها أو لا يقول عما يحدث من عقلها، فإن قال وما يحدث منها من عقلها، لم يخل من أحد أمرين إما أن يكون بلفظ الوصية أو بلفظ العفو والابراء.
فإن كان بلفظ الوصية فهذه وصية لقاتل، وهل يصح الوصية له أم لا؟ قال قوم: لا يصح لقوله عليه السلام ليس لقاتل شئ، وقال آخرون يصح الوصية له لقوله صلى الله عليه وآله إن الله أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، دل على أنها لغير وارث، وهذا غير وارث، والذي يقتضيه مذهبنا أنها تصح للقاتل لأنه لا مانع منه.
فمن قال لا يصح الوصية للقاتل، قال: تكون الدية ميراثا، ومن قال يصح كانت الدية كلها له، إن خرجت من الثلث، وإن لم يخرج منه كان له منها بقدر الثلث.
وأما إن كان بلفظ العفو والابراء فهل الإبراء والعفو من المريض وصية أم لا؟ قال قوم هو وصية لأنه يعتبر من الثلث، وقال آخرون هو اسقاط وإبراء، وليس بوصية لأن الوصية نقل ملك فيما يأتي، والابراء والعفو اسقاط في الحال، فلهذا لم يكن العفو كالوصية، وعندنا أنه ليس بوصية وهل يعتبر من الثلث؟ لأصحابنا فيه روايتان قد مضتا.