عمد الخطأ فإنه لا قود على الجارح.
فإذا ثبت أنه لا قود عليه، فما قابل فعل المجروح هدر، وما قابل فعل الجاني مضمون، وعليه الكفارة، لأنه شاركه في قتل نفسه، وعليه نصف الدية مغلظة حالة في ماله، لأنها وجبت عن عمد محض.
وأما إن كان السم يقتل غالبا قال قوم على الجارح القود لأنه مات عن عمدين محضين، فإن المجروح داوى نفسه بما يقتل غالبا فهو كما لو جرح نفسه فمات من الجرحين معا، وسقط القود بفعل المجروح، لا لمعنى في فعله، فكان على شريكه القود كما لو شارك الأب في قتل ولده فإن عليه القود.
وقال آخرون لا قود على الجارح، لأنهما وإن كانا عمدين محضين فأحدهما غير مضمون بحال، قال هذا القائل وهكذا كل من هلك بعمدين محضين أحدهما لا يضمن شيئا بحال، فهذا حكمه، كما لو شارك الأسد في قتل انسان أو شارك الغير في قتل نفسه، فالكل على قولين.
وفيهم من قال: على الجارح ههنا القود وفي شريك الأسد قولان، والفصل بينهما أن شريك الأسد شارك غيره في عمد محض، فلهذا كان عليه القود، وليس كذلك ههنا لأنه شارك غيره وذلك الغير مثل عمد الخطأ فإنه إنما داوى نفسه طلبا للمصلحة، فبان مفسدة، فإذا كان شريكه جنى عمد الخطأ لم يكن عليه القود.
فكان تحقيق الخلاف، هل فعل المجروح عمد محض أو عمد الخطأ فمن قال عمد محض فالشريك على قولين، ومن قال عمد الخطأ قال لا قود على شريكه.
والذي يقتضيه مذهبنا أن فعل المجروح عمد الخطأ لا يجب به قود، وفعل الجاني عمد محض يجب فيه القود بشرط رد فاضل الدية، على ما بيناه.
فمن قال عليه القود فالولي بالخيار بين القصاص والعفو على مال، فإن قتل فلا كلام غير أن عندنا يرد نصف الدية، وإن عفا على مال فله نصف الدية مغلظة في ماله وهكذا من قال لا قود عليه، قال: عليه نصف الدية مغلظة حالة في ماله لأنها وجبت عن عمد محض.