إذا غلب أهل البغي على بلد فجبوا الصدقات وأخذوا الجزية واستأدوا الخراج وقع ذلك موقعه عند الفقهاء، لأن عليا عليه السلام قد هزم الناس بالبصرة وبصفين ولم ينقل عنه أنه لم يعتد بما فعلوه، ولا استدرك عليهم، وعندنا لا يقع ذلك موقعه، غير أن للإمام أن يجيزه، لأنه إن أخذ منهم مرة أخرى أدى ذلك إلى الإضرار بالناس، فلذلك أجاز علي عليه السلام ذلك.
وأما الحدود إذا أقاموها فلا تعاد مرة أخرى لما ذكرناه، فإذا زالت أيديهم عنه وملكه أهل العدل طالبهم العادل بذلك، فإن ذكروا أنه استوفي منهم فإن أقاموا البينة به نفذها، وإن لم يكن به بينة أما الصدقات إذا ادعى رب المال أنها قبضت منه، فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين، وهذه اليمين على الوجوب عند قوم وعند آخرين على الاستحباب.
وهكذا إذا طالب الساعي رب المال بالزكاة فادعى أنها لا يجب عليه أو قد استوفيت منه، فإن كان قوله لا يخالف الظاهر مثل أن قال قد حال الحول على مالك فقال رب المال ما حال، فالقول قوله مع يمينه استحبابا لأن قوله لا يخالف الظاهر، لأن الأصل أن الحول ما حال، وإن كان قوله مخالفا للظاهر مثل أن قال قد حال الحول على مالك فقال انقطع الحول في أثناء الحول، لأني بعتها ثم اشتريتها أو قال قد حال الحول وقد أخذ الزكاة مني، ساع قبلك، فالقول قوله لأنه أمين.
وهل اليمين واجبة أو مستحبة؟ على ما مضى، فمن قال مستحبة فإن حلف وإلا تركه ومن قال على الوجوب فإن حلف أسقط الدعوى، وإن لم يحلف أخذه بالزكاة لا بالنكول، ولكن بظاهر الوجوب عليه وعندنا أنه لا يمين عليه بحال، وكذلك في هذه المسألة سواء.
وأما أهل الذمة إذا ذكروا أنهم أدوا الجزية فلا يقبل قولهم، لأن الجزية بمنزلة الأجرة، فإنها تحقن الدم والمساكنة، ومن سكن الدار وادعى أنه أدى الأجرة لم يقبل قوله، ولأنه لا أمانة لهم، ويفارق أهل الزكاة لأنهم أمناء.