فأما إن وثب المجنون فقطع يمين الجاني فهل يكون قصاصا أم لا؟ قال بعضهم:
يكون قصاص لأن المجنون إذا كان له حق معين فأتلفه كان بمنزلة الاستيفاء، كما لو كان له وديعة عند غيره فهجم عليها فأتلفها، فلا ضمان على المودع، وقال بعضهم و هو الأقوى: إنه لا يكون ما فعله استيفاء لحقه ولا يكون قصاصا، لأن المجنون لا يصح منه استيفاء حقه بحال.
ويفارق الوديعة لأنه إذا أتلفها فلا ضمان على المودع، لأنها تلفت بغير جناية ولا تفريط كان منه، فهو كما لو أتلفها غير المجنون، فلهذا سقط عنه الضمان وليس كذلك ههنا لأن الضمان لا يسقط عنه بذهاب يمينه، وإن كان هلاكها بغير تفريط كان منه. فبان الفصل بينهما.
فمن قال قد استوفا حقه فلا كلام ومن قال ما استوفا حقه كان حقه مضمونا لأن إتلاف المجنون يقع مضمونا فقد ذهبت يمين الجاني بقطع المجنون، فوجبت ديتها بقطعه، وللمجنون دية هذه اليمين.
ومن قال عمد المجنون عمد، فدية اليمين عنده عليه، وله ديتها يتقاصان، ومن قال عمده في حكم الخطأ قال دية يمين الجاني على عاقلة المجنون، ولهذا المجنون دية هذه اليمين على الجاني يستوفي المجنون دية يمينه من الجاني، ويستوفي الجاني دية يمينه من عاقلة المجنون.
إذا قطع يدي رجل ورجليه فالظاهر أن عليه ديتين دية في اليدين، ودية في الرجلين، فإن مات بعد الاندمال استقرت الديتان على الجاني، وإن سرى القطع إلى نفسه فعليه دية واحدة، لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.
فإذا ثبت هذا فقطع يدي رجل ورجليه، ثم مات المجني عليه ثم اختلفا فقال الولي مات بعد الاندمال فعليك أيها الجاني كمال الديتين، وقال الجاني مات بالسراية من القطع، وليس علي إلا دية واحدة، قال بعضهم القول قول الولي.
وصورة المسألة أن المجني عليه مات بعد القطع بمدة يمكن اندمال القطع فيها، فعلى هذا يكون القول قول الولي لأن الظاهر أنه قد وجب على الجاني ديتان