ثم ينظر فإن كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ماله عندنا، وعندهم على العاقلة وإن كان إنما صاح به خطأ فالدية مخففة على العاقلة بلا خلاف.
فإن ذكرت امرأة عند الإمام بسوء فبعث إليها فماتت فلا شئ عليه، وإن كانت حاملا فأسقطت فالضمان على الإمام لإجماع الصحابة عليه، روي أن امرأة ذكرت عند عمر فأرسل إليها فأجهضت ما في بطنها، فقال للصحابة ما تقولون؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف إنما أنت مؤدب فلا شئ عليك، فقال لعلي عليه السلام ما تقول؟ فقال إن علموا فقد غشوك، وإن اجتهدوا فقد أخطأوا، عليك الدية، فقال لعلي عزمت عليك أن لا تقوم حتى تقسمها على قومك فهم قومي فأضافهم إليه انبساطا إليه وتقربا.
إذا شهر سيفه في طلب رجل ففر من بين يديه فألقى نفسه من سطح أو جبل أو في بئر أو نار فهلك فلا ضمان على الطالب، لأنه إنما ألجأه إلى الهرب وما ألجأه إلى الوقوع، بل ألقى نفسه في مهلكة باختياره، فالطالب صاحب سبب والواقع مباشرة و متى اجتمعت مباشرة وسبب غير ملجئ فلا ضمان على صاحب السبب كالحافر والدافع فإن الضمان على الدافع دون الحافر.
فإن كانت بحالها وكان المطلوب أعمى فوقع فالضمان على الطالب لأنه سبب ملجئ فإن الأعمى لم يعلم ذلك، ولا اختار إيقاع نفسه في مهلكة، وإذا كان السبب ملجئا تعلق الضمان بصاحب السبب كما لو حفر بئرا فوقع فيها أعمى، فعلى الحافر الضمان لأنه ألجأه إلى الوقوع، ويفارق إذا كان بصيرا لأنه ما ألجأه إلى الوقوع فلهذا لم يضمن.
فوزان الأعمى من البصير أن يكون البصير وقع في بئر لم يعرفها أو انخسف السقف من تحته فوقع، كان الضمان على صاحب السبب لأنه ألجأه إليه، فكان كالأعمى سواء.
وإذا طلب بصيرا فهرب منه فاعترضه سبع فقتله فلا ضمان على الطالب، سواء كان المطلوب بصيرا أو أعمى لأن السبع له قصد واختيار، فكان من الطالب سبب غير