فإن لم يكن مع واحد منهما بينة فقال الولي يقتل غالبا وقال الساقي لا يقتل غالبا، فالقول قول الساقي، لأنه اعترف بصفة ما سقاه، ولأن الأصل براءة ذمته، فإن قالت البينة هذا السم يقتل النضو النحيف والضعيف الخلقة، ولا يقتل القوي الشديد، فإن كان المقتول نضوا فعليه القود، وإن كان قويا فلا قود وعليه الدية.
وإن كان السم يقتل غالبا وقال الساقي لم أعلم أنه يقتل غالبا قال قوم: لا قود عليه لأنه ذكر شبهة، والقود يسقط بالشبهة، وعليه الدية، وقال آخرون لا يقبل قوله وعليه القود وهو الأقوى عندي، لأنه قد فعل فعلا يقتل غالبا وقوله لم أعلم أنه يقتل غالبا لا يقبل قوله فيه.
فإن كان السم يقتل غالبا فجعله في طعام، فإن لم يكسر الطعام حدته ولم يعد له فهو كالسم البحت، وإن عدله وأخرجه عن القتل غالبا فلا قود.
هذا كله إذا أكرهه على أكله أو شربه، فأما إن لم يكرهه فإن ناوله فشرب فإن كان الشارب صبيا لا يعقل أو مجنونا أو أعجميا لا يعقل فناوله فشرب فمات فعليه القود.
فأما إن جعل السم في الطعام فأكله الغير لم يخل من أحد أمرين إما أن يجعله في طعام نفسه أو طعام غيره، فإن جعله في طعام نفسه وأطعمه إياه، فإن قال هذا سم فأخذه وأكل، فلا ضمان على المطعم، سواء قال له فيه سم يقتل غالبا أو لم يقل لأنه هو المختار لقتل نفسه، فهو كما لو ناوله سيفا فقتل به نفسه.
وأما إن لم يعلمه فقدمه إليه أو ناوله فأكل منه، قال قوم عليه القود وهو الأقوى عندي، لأنه لم يختر شرب ذلك بدليل أنه لو علم به لم يأكله، وقال آخرون لا قود عليه، لأنه الذي أكله باختياره، فكان شبهة في سقوط القود عنه.
فمن قال عليه القود، فلا كلام، ومن قال لا قود، قال عليه الدية بلا شبهة، لأنه مات بسبب كان منه بغير علمه، فأقل الأحوال وجوب الدية.
فأما إن جعل هذا الطعام المسموم في دار نفسه فدخل الغير فأكله، فلا ضمان على صاحب الطعام، لأن الآكل هو الذي تعدى بدخول دار غيره بغير أمره، فإذا هلك فلا ضمان على صاحب الدار كما لو دخل إليها فسقط في بئر فمات فلا ضمان.