وأما الخراج فإن زعموا أنه قد استوفي منهم فهل يقبل قولهم في ذلك أم لا؟
قال قوم يقبل قولهم، لأنهم مسلمون، وعندنا لا يقبل قولهم، لأن الخراج ثمن أو أجرة المثل وأيهما كان لم يقبل قوله في أدائه، ويفارق الزكاة لأنها على سبيل المواساة وأداؤها عبادة فلهذا قبل قولهم، وليس كذلك الجزية والخراج، لأنها معاوضة وهذا بدل في معاوضة فلم يقبل قوله في أدائه فبان الفصل بينهما.
إذا نصب أهل البغي قاضيا يقضي بينهم أو بين غيرهم نظرت، فإن كان القاضي ممن يعتقد إباحة أموال أهل العدل ودمائهم، لم ينعقد له قضاء، ولم ينفذ له حكم، سواء وافق الحق أو لم يوافقه، لأن من يستبيح أموال أهل العدل لم يؤمن على القضاء، و عندهم لم يكن من أهل اجتهاد.
وإن كان ثقة في دينه لا يستبيح أموال أهل العدل ولا دماءهم عندنا لم ينفذ قضاؤه أيضا لأنه لم يتقلده من قبل من له التولية، وقال قوم ينفد قضاؤه كما ينفذ قضاء غيره، سواء كان القاضي من أهل البغي أو من أهل العدل.
وقال بعضهم إن كان من أهل العدل نفذ حكمه، وإن كان من أهل البغي لم ينعقد له قضاء، ولم ينفذ ما كان حكم به، فمن أجاز قضائهم قال: لا يرد من قضاياهم إلا ما يرد من قضايا غيرهم، فإن كان حكمه قد خالف فيه كتابا أو سنة أو إجماعا أو قياسا لا يحتمل إلا معنى واحدا نقضناه، وإن لم يخالف شيئا من هذا أمضيناه ونفذناه.
فإن كان حكم بسقوط الضمان عنهم فيما أتلفوه على أهل العدل، نظرت فإن كان حكم بسقوط الضمان عما أتلفوه قبل القتال أو بعده لم ينفذ حكمه، لأنه خالف الاجماع وإن كان حكم بسقوط الضمان عنهم فيما أتلفوه حال القتال، سقط لأنها مسألة خلاف يسوغ فيها الاجتهاد، وقد بينا على مذهبنا أن جميع ذلك لا ينفذ على وجه، لأن ولايته غير منعقدة، ولأن الاجتهاد عندنا باطل، والحق في واحد لا يسوغ خلافه.
فأما إذا كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل بحكم حكم به أو بما ثبت عنده عندنا لا يجوز له أن يحكم به. وعندهم يستحب له أن يرده ولا يقبله استهانة بهم