فإن حفرها في ملكه فلا ضمان عليه، لأن له أن يصنع في ملكه ما شاء، وإن حفرها في موات ليملكها، فإذا وصل إلى الماء ملكها بالإحياء، فهو كما لو حفرها في ملكه إذ لا فصل بين أن يحفرها في ملكه وبين أن يحفرها حفرا يملكها به، وإن حفرها في موات لينتفع بها ويتصرف ولم يقصد الملك مثل أن نزل بالمكان بدوي أو مار في قافلة فلا ضمان أيضا لأنه ما تعدى بالحفر وهكذا إذا استأجر رجلا فحفر له بئرا في ملكه الباب واحد، لأنه بمنزلة من حفر بئرا في البادية.
وأما إن حفرها في غير ملكه بغير إذن مالكها، فالضمان على الحافر لأنه تعدى بحفرها، فإن أبرأه المالك وقال قد برئت ورضيت بحفرك وأقره عليه زال الضمان عنه، كما لو أمره بالحفر ابتداء وقال بعضهم لا يزول الضمان لأنه أبرأه عن ضمان ما لم يجب، والأول أقوى.
فأما إن حفرها في طريق المسلمين نظرت، فإن كان الطريق ضيقا فعليه الضمان، سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه، لأنه لا يملك الإذن فيما فيه تضييق على المسلمين وإلحاق الضرر بهم، وإن كان الطريق واسعا لا يضيق على المسلمين حفرها، ويقصد نفع المسلمين بها، فإن كان بإذن الإمام فلا ضمان عليه، لأن للإمام أن يأذن بما فيه منفعة للمسلمين، من غير إضرار بهم ولا تضييق عليهم، وأما إن حفرها بغير إذن الإمام فإن قصد تملكها بالحفر وتكون له ملكا، فعليه الضمان لأنه تعدى بالحفر ولم يملك به لأن أحدا لا يملك أن يتملك طريق المسلمين، فكان عليه الضمان، وإن حفرها طلبا للثواب لمنفعة المسلمين، قال قوم لا ضمان عليه لقوله عليه السلام البئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس، وقال آخرون عليه الضمان لقوله عليه السلام وفي النفس مائة من الإبل، والأول أقوى.
وهكذا الحكم في بناء مسجد في طريق المسلمين، إن كان الطريق ضيقا فعليه الضمان، وإن كان واسعا فإن بناه بإذن الإمام فلا ضمان، وإن بناه بغير إذنه فإن كان لنفسه ينتفع هو به فعليه الضمان، وإن كان لمنفعة الناس فعلى ما مضى عند قوم يضمن وعند آخرين لا يضمن وهكذا فيمن فرش البواري في المسجد أو بنا فيه حائطا أو سقف