لما مضى.
والفرق بين المسألتين أنهما إذا قتلا من نصفه حر فكل واحد قصد إلى تناول نفس غير مكافية له حال الحياة، فلهذا لم يجب القود على واحد منهما.
يؤيد هذا أن القود في الطرف لم يجب وليس كذلك في مسئلتنا لأنه قصد إلى تناول نفس مكافية حال الجناية، فلهذا كان عليه القود.
يؤيد هذا أن القود في الطرف وجب، وإذا سرت إلى نفسه فقطعه بعد العتق، كان كأنه قتله بعد العتق ولو قتله بعد العتق كان عليه القود في النفس، كذلك إذا سرت جنايته حال الحرية، فدل على ما قلناه.
فأما قدر الواجب، فإنه دية حر مسلم لأن الجناية كانت مضمونة فسرت إلى نفس مضمونة، كان فيها الدية اعتبارا ببدل النفس حال الاستقرار.
فإذا ثبت أن الدية دية حر مسلم، فإن وجوبها على الجارحين معا نصفين، لأن الجنايات إذا صارت نفسا كانت تنقسط على عدد الجناة، لا الجنايات، ولا تفاضل بينهما، وإن كان أحدهما أكثر، بدليل أنه لو جرحه أحدهما جرحا واحدا والآخر مائة جرح، فمات فكانت الدية نصفين على عدد الجناة، لا عدد الجنايات.
قالوا هلا جعلتموها على المفاضلة كما قلتم لو قطع حر يد عبد ثم قطع آخر يده الأخرى، ثم سرى إلى نفسه، كانت عليهما قيمته، وعلى الأول منهما أكثر مما على الثاني.
قلنا الفصل بينهما أن الواجب في العبد قيمته واعتبار القيمة فيه بحال الجناية لأنه إتلاف مال، فكان الأول أكثر من الثاني، لأن الثاني جنى عليه وقد نقصت قيمته بالجرح الأول، فلا يجب عليه كما يجب على الأول.
وليس كذلك ههنا، لأن الجناية صارت نفسا وكان الاعتبار ببدل النفس حال الاستقرار، وهما حال الاستقرار متفقان فيما يجب على كل واحد منهما، فإن الحر لا ينتقص بدل نفسه بالجناية عليه، فلهذا كانا سواء فأما مسألة العبد التي فيها ست طرق فهي نشرح فيما بعد إن شاء الله تعالى.