وحتى مع اغماض النظر عن ذلك كله، في الأسوة والقدرة لم يكن ليميز نفسه عن الناس، بل هو سوف يواسيهم بنفسه فيما قل وكثر، وفيما صغر وكبر. وذلك هو ما تمليه عليه التعاليم والمبادئ التي جاء بها من عند الله جل وعلا.
الذي يستأثر بإعجابنا العميق هو تلك اللفتة الواعية من زوجة جابر، والتي تظهر لنا أيضا مدى ايمان هذه المرأة ومدى تسليمها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كما انها تحكي لنا طبيعة ونوعية ونسخ اعتقادها بهذا الرسول الكريم والعظيم.
وذلك حينما أخرجت زوجها جابرا من حيرته المحرجة بسؤالها له: إن كان النبي قد علم بمقدار الطعام المتوفر عندهم، فأجابها الإيجاب، فقالت: الله ورسوله أعلم.
ومن يدري فلعل النبي الكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد عرف ان هذا الاخلاص من جابر وزوجته، ثم الإيثار منه (صلى الله عليه وآله)، وحبه لأصحابه، واقدامه على تقسيم هذا القليل من الطعام معهم، ثم اخلاص صحابته الخيار في دفاعهم عن أنفسهم، وعن كرامتهم، وشرفهم ودينهم، ونبيهم، وهذه المتاعب الكبيرة، والمصاعب الخطيرة التي تواجههم بالإضافة إلى أن الله سبحانه لن يخيب نبيه ووليه وصفيه.
نعم ان ذلك كله إذا اقترن بان اللطف الإلهي لا بد ان يظهر في هذه الفترة العصيبة بالذات ليطمئن المؤمنون إلى نصر الله سبحانه، فان زيادة الطعام الذي قدمه جابر، حتى ليأكل المسلمون كلهم حاجتهم منه تصبح أمرا وقبولا ومعقولا، وفي محله..