مدن المغرب واتسعت بعد ذلك خطتها واستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية وحين نازل إسماعيل المنصور أبا يزيد لقلعة كتامة جاءه زيرى في قومه ومن انضم إليه من حشود البربر وعظمت نكايته في العدو وكان الفتح وصحبة المنصور إلى أن انصرف من المغرب ووصله صلات سنية وعقد له على قومه وأذن له في اتخاذ القصور والمنازل والحمامات بمدينة أشير وعقد له على تاهرت وأعمالها ثم اختصت ابنه بلكين بأمره وعلى عهده مدينة الجزائر المنسوبة لبنى مزغد بساحل لبحر ومدينة ملينة بالعدوة الشرقية من شلف ومدينة لمدونة وهم بطن من بطون صنهاجة وهذه المدن لهذا العهد من أعظم مدن المغرب الأوسط ولم يزل زيرى على ذلك قائما بدعوة العبيديين منابذ المغراوة واتصلت الفتنة فيهم ولما نهض جوهر الكاتب إلى المغرب الأقصى أيام معد المعز لدين الله أمره أن يستصحب زيرى بن مناد فصحبه إلى المغرب وظاهره على أمره ولما ظهر يعلى بن محمد النفزي اتهمه زناتة بالممالاة عليه ولما نزل جوهر فاس وبها أحمد بن بكر الجذامي وطال حصاره إياها كان لزيرى في حصارها أعظم العياء وكان فتحها على يده سهر ذات ليلة وصعد سورها فكان الفتح ولما استمرت الفتنة بين زيرى ابن مناد ومغراوة ووصلوا أيديهم بالحاكم المستنصر وأقاموا دعوة المروانية بالمغرب الأوسط وشمر محمد بن الخير بن محمد بن خزر لذلك رماه معد لقريعة زيرى في قومه واحتشد أهل وطنه وقد جمع له محمد بن الخير وزناتة فسرح إليهم ولده بلكين في مقدمة وعارضهم قبل استكمالهم التعبية فدارت بينهم حرب شديدة بعد العهد بمثلها يومئذ واختل مصاف مغراوة وزناتة ولما أيقن محمد بن الخير بالمهلكة وعلم أنه أحيط به مال إلى ناحية من العسكر وتحامل على سيفه فذبح نفسه وانفض جموع زناتة واستمرت الهزيمة عليهم سائر يومهم فاستلحموا ومكثت عظامهم ماثلة بمصارعهم عصورا وهلك فيما زعموا بضعة عشر أميرا منهم وبعث زيرى برؤوسهم إلى المعز بالقيروان فعظم سروره وهش لها الحكم المستنصر صاحب الدعوة بما أوهنوا من أمره واستطال زيرى وصنهاجة على بوادي المغرب وغلب يده على جعفر بن علي صاحب المسيلة والزاب وسما به في الرتب عند الخلافة وتاخمه في العمالة واستدعى معد جعفر بن علي من المسيلة لتولية إفريقية حين اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاستراب مما كانت السعاية كبرت فيه وبعث معد المعز بعض مواليه فخافه جعفر على نفسه وهرب من المسيلة ولحق بمغراوة فاشتملوا عليه وألقوا بيده زمام أمرهم وقام فيهم بدعوة الحكم المستنصر وكانوا أقدم لها إجابة وفاوضهم زيرى الحرب قبل استفحالهم فزحف إليهم واقتتلوا قتالا شديدا وكانت على زيرى الدبرة وكبا به فرسه وأجلت الهزيمة عن مصرعه
(١٥٤)