وبعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى مكة، ثم صالح أهل نجران على ألفي حلة ألف في صفر وألف في رجب، فلا إشكال حينئذ في مشروعيتها بل الظاهر عدم الفرق فيها بين أهل الكتاب وغيرهم، لاطلاق الأدلة، بل وخصوص ما ورد في مهادنة قريش وغيرهم، ويجب الوفاء لهم بالمدة ما داموا هم كذلك بلا خلاف ولا إشكال بعد قوله تعالى (1) " وأتموا إليهم عهدهم في مدتهم " وقوله تعالى (2) " فما استقاموا فاستقيموا لهم " نعم في القواعد وغيرها ولو استشعر الإمام خيانة جاز له أن ينبذ العهد إليهم وينذرهم، ولا يجوز نبذ العهد بمجرد التهمة، وهو كذلك ضرورة وجوب الوفاء لهم، بخلاف ما إذا خاف منهم الخيانة لأمور استشعرها منهم، فإنه ينبذ العهد حينئذ لقوله تعالى (3) " وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء، إن الله لا يحب الخائنين " أي أعلمهم نقض عهدهم حتى تكونوا سواء في ذلك، وليس كذلك عقد الذمة الذي هو حق لهم، ولهذا يجب على الإمام إجابتهم إليه وإن كان له قوة عليهم، بخلاف عقد الهدنة الذي هو تابع للمصلحة، على أن عقد الذمة بعوض وهو الجزية، بخلاف عقد الهدنة الذي لم يلزمه العوض، على أنه منقطع بخلاف عقد الذمة فإنه للأبد، ويجب الرد إلى مأمنهم إذا فرض صيرورته بالهدنة بين المسلمين، أما إذا لم يكونوا كذلك، بل كانوا باقين على منعتهم وقوتهم غزاهم بعد الاعلام، ولو نقض بعضهم العقد دون البعض جرى على الناقض حكم الحربي دون غيره، وإذا أراد الإمام غزوهم ميزهم عنهم، وكذا الحكم لو خاف الخيانة من بعض دون آخر نبذ إليهم عهده، ولو تاب الناقض فعن
(٢٩٤)