يا كميل، مات خزان المال والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، آه آه إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلما جما، لو أصبت له حملة، بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين في الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه وبنعمه على عباده، أو منقادا للحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوما باللذات سلس القياد للشهوات أو مغرى بالجمع والإدخار ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة؛ كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهر مشهور أو مستتر مغمور؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين؟ أولئك والله الأقلون عددا والأعظمون خطرا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، وباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، والدعاة إلى دينه، آه آه شوقا إلى رؤيتهم (1).
وقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: قال علي بن الحسين (عليهما السلام):
إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم (2) منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدين فخا لها،