من دون ملاحظة الوحدة بينهما يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، وهو مستحيل، وكذا فيما لو كان المستثنى فردا واحدا.
وأما لو كان المستثنى أفرادا متعددة، فمضافا إلى ذلك يلزم استعمال المستثنى أيضا في أكثر من معنى واحد.
وأما لو كانت أداة الاستثناء حرفا، فبناء على كونه موضوعا للجزئيات، فاستعمالها في أكثر من فرد واحد مستلزم لذلك المحذور الذي جريانه في الحروف أوضح، لأن اندكاكها في متعلقاتها أشد من فناء الألفاظ في معانيها الاسمية (1).
أقول: قد عرفت أن استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد بمكان من الإمكان، وأن الوجوه التي استندوا إليها لإثبات الاستحالة لم تكن ناهضة لإثباتها، والموضوع له في الحروف وإن لم يكن عاما إلا أنه لا إشكال في استعمالها في أكثر من واحد، والجامع بين معانيها وإن كان منتفيا، ضرورة عدم وجود الجامع الحقيقي بين الابتداءات الخارجية مثلا، ومفهوم الابتداء الذي هو معنى اسمي لم يكن ابتداء حقيقة إلا أنه مع ذلك يمكن استعمالها في أكثر من واحد تبعا للأسماء ومتعلقاتها، نظير قوله: سر من كل نقطة من البصرة فإن الكثرة - التي هي مفاد الكل - تسري إلى " من " أيضا فيفيد وجوب السير مبتدئا من كل نقطة.
ومنه يظهر أن جواز استعمال الحرف في أكثر من واحد أوضح من جواز استعمال الاسم كذلك، لما عرفت من تبعية المقتضية لسراية مدلوله إليه، كما هو واضح.