العلم والقدرة حتى لا يكون الجاهل أو العاجز مكلفا، بل الظاهر ثبوت التكليف بالنسبة إلى جميع الناس أعم من العالم والجاهل والقادر والعاجز، غاية الأمر كون الجاهل والعاجز معذورا في المخالفة بحكم العقل. نعم قد يكون حكم العقل كاشفا عن بعض الأحكام الشرعية، فحكمه حينئذ طريق إليه، كما لا يخفى.
الخامسة: قد عرفت أن الخطابات الواردة في الشريعة إنما تكون على نحو العموم، ولا يشترط فيها أن يكون كل واحد من المخاطبين قادرا على إتيان متعلقها، بل يعم القادر والعاجز، ومعذورية العاجز إنما هو لحكم العقل بقبح عقابه على تقدير المخالفة، لا لعدم ثبوت التكليف في حقه، وحينئذ فالعجز إما أن يكون متعلقا بالإتيان بمتعلق التكليف الواحد، وحينئذ فلا إشكال في معذورية المكلف في مخالفته، وإما أن يكون متعلقا بالجمع بين الإتيان بمتعلق التكليفين أو أزيد بأن لا يكون عاجزا عن الإتيان بمتعلق هذا التكليف بخصوصه ولا يكون عاجزا عن موافقة ذلك التكليف بخصوصه أيضا، بل يكون عاجزا عن الجمع بين موافقة التكليفين ومتابعة الأمرين.
إذا عرفت هذه المقدمات، فنقول: إذا كان الأمران متعلقين بالضدين المساويين من حيث الأهمية، فالمكلف حينئذ إما أن يشتغل بفعل واحد منهما أو بأمر آخر، وعلى الثاني إما أن يكون ذلك الأمر محرما وإما أن لا يكون كذلك، فالصور ثلاثة:
أما الصورة الأولى: فلا إشكال فيها في ثبوت الأمرين معا، لما عرفت في المقدمات السابقة، غاية الأمر كونه معذورا في مخالفة واحد منهما لحكم العقل بمعذورية العاجز.