تكليف الحاضر، وكما يجوز للمكلف أن يعمل عملا يمنعه عن صدق عنوان المستطيع عليه، وغيرهما من الموارد، مع أن ظاهرهم عدم الجواز في المقام، وليس ذلك كله إلا لعدم اختصاص الخطاب بالقادرين، بل يعم الجميع غاية الأمر كون العاجز معذورا في مخالفة التكليف المتعلق به بحكم العقل.
وتوهم: أنه كيف يمكن أن تتعلق إرادة المولى بإتيان جميع الناس مطلوباته مع أن العقل يحكم بامتناع تعلق الإرادة من الحكيم بإتيان العاجز.
مدفوع: بأنه ليس في المقام إلا الإرادة التشريعية، ومعناها ليس إرادة المولى إتيان العبد، كيف ولازمه استحالة الانفكاك بالنسبة إلى الله جل شأنه، لما قرر في محله من عدم إمكان تخلف مراده تعالى عن إرادته، بل معنى الإرادة التشريعية ليست إلا الإرادة المتعلقة بجعل القوانين المتضمنة للبعث والزجر، فمتعلق الإرادة إنما هو بعث الناس إلى محبوبه وزجرهم عن مبغوضه، لا انبعاثهم وانزجارهم حتى يستحيل الانفكاك.
وبالجملة، فلا يشترط في جعل القوانين العامة إلا كونها صالحة لانبعاث النوع وانزجار لسببه كما يظهر بمراجعة العقلاء المقنين للقوانين العرفية، فتأمل في المقام، فإنه من مزال الأقدام.
الثالثة: قد عرفت أن كل واحد من الأمر بالأهم والأمر بالمهم إنما تعلق بالطبيعة معراة عن جميع القيود، وليس فيها لحاظ الأفراد ولا لحاظ الحالات التي يطرأ بعد تعلق الأمر بها حتى صار المولى بصدد بيان العلاج ودفع التزاحم بين الأمرين في حالة الاجتماع.
الرابعة: أنه ليس للعقل التصرف في أوامر المولى بتقييدها ببعض القيود، بل له أحكام توجب معذورية المكلف بالنسبة إلى مخالفة تكاليف المولى، فحكمه بقبح العقاب في صورة الجهل أو العجز لا يرجع إلى تقييد الأحكام بصورة