وأما الصورة الثانية: فالمكلف يستحق فيها ثلاث عقوبات، أما العقوبة على ما اشتغل به من فعل المحرم فواضح. وأما العقوبة على مخالفة كل من الأمرين: فلكونه قد خالفهما من غير عذر، لفرض كونه قادرا على إتيان متعلق كل واحد منهما، وعجزه إنما هو عن الجمع بينهما، والجمع لا يكون متعلقا للأمر حتى يعذر في مخالفته، لتحقق العجز.
وأما الصورة الثالثة: فيظهر الحكم فيها مما ذكرنا في الصورة الثانية.
هذا، إذا كان الأمران متعلقين بمساويين من حيث الأهمية، وأما إذا كان أحد الضدين أهم من الآخر، فالعقل يحكم بوجوب ترجيحه على المهم في مقام الإطاعة والامتثال، وحينئذ فإذا امتثل الأمر بالأهم، فالعقل يحكم بمعذوريته في مخالفة الأمر بالمهم بعد كونه غير مقدور عن إطاعته، وأما إذا امتثل الأمر بالمهم وصرف قدرته إلى طاعته دون الأمر بالأهم، فلا إشكال في استحقاق المثوبة على امتثاله، وعدم كونه معذورا في مخالفة الأمر بالأهم بعدما عرفت من كونه مشمولا لكلا الخطابين، والعقل لا يحكم بمعذوريته.
ومنه يظهر أنه لو خالف الأمرين معا، يستحق العقوبة عليهما.
والمتحصل من جميع ما ذكرنا أمران:
أحدهما: بطلان ما حكي عن البهائي من أنه لو قيل بعدم الاقتضاء فلا أقل من عدم تعلق الأمر بالضد، فإنك قد عرفت أنه لا منافاة بين الأمرين أصلا، بل الظاهر ثبوتهما من دون أن يكون أحدهما مترتبا على الآخر، بل يكونان في عرض واحد بلا ترتب وطولية.
ثانيهما: استحقاق العقابين على تقدير مخالفة كلا الأمرين، ولا إشكال فيه، كما عرفت.