النزاع في إمكان تحقق المعلول بدون علة بالإمكان الوقوعي أو الذاتي، فلا مجال لكون العلم دخيلا فيه أصلا، كما هو واضح، فينحصر أن يكون المراد هو الاحتمال الثالث، ومرجعه إلى النزاع بين العدلية والأشاعرة، فإنهم اختلفوا في جواز التكليف بالمحال، فذهب الطائفة الأولى إلى عدم الجواز خلافا للطائفة الثانية القائلين بالجواز، ولعل قولهم بالجواز مبني على ما ذكروه في مبحث الطلب والإرادة وكونهما مختلفين، وإلا فلا يعقل أن تتحقق الإرادة بالنسبة إلى من يعلم عدم صدور الفعل منه، كما هو واضح.
وكيف كان فالذي يقتضيه التحقيق في مورد النزاع هو أن يقال: إن الأوامر على قسمين:
أحدهما: الأوامر الشخصية الجزئية المتوجهة إلى أشخاص المأمورين.
ثانيهما: الأوامر الكلية المتوجهة إلى المكلفين بنحو العموم.
أما ما يكون من قبيل الأول: فعدم إمكان تحققه في صورة العلم بانتفاء شرط تحقق المأمور به واضح ضروري، وذلك لأن غاية البعث إنما هو الانبعاث وحركة المكلف نحو المطلوب، فإذا فرض العلم بعدم إمكان تحقق الانبعاث - كما في المقام - فيستحيل تحقق البعث والتحريك من الآمر، إذ مع العلم بعدم ترتب الغاية عليه كيف يمكن أن ينقدح في نفسه إرادة البعث مع أن من مبادئ الإرادة التصديق بفائدة المراد، ولعمري أن هذا واضح جدا.
وأما ما يكون من قبيل القسم الثاني الذي إليه ترجع الخطابات الشرعية الواردة بنحو العموم المتوجهة إلى الناس كذلك أيضا، فلا يخفى أنه لا يضر بذلك كون بعض المكلفين غير قادرين على الإتيان بالمأمور به، فإن توجيه الأمر بهذا النحو لا يشترط فيه إلا كون الأمر صالحا لانبعاث المكلفين بحسب النوع، وأما مجرد العلم بعدم تحقق الانبعاث بالنسبة إلى بعض المكلفين فلا يضر بتوجيه