يتعدد بتعدد الدال دون المدلول، بأن تكون وحدة الحكم وتعدده دائرا مدار وحدة الدال وتعدده من دون أن يكون لوحدة المدلول وتعدده دخل فيهما، كما في حرمة الكذب، فان الكذب لا يتعدد بتعدد المدلول، فإذا أخبر زيد بان عندي درهما، وأخبر عمرو بأن عندي عشرة دراهم، ولم يكن عندهما شئ من الدرهم، فقد صدر من كل منهما كذب واحد، وارتكب كل منهما حراما واحدا، وان كان مدلول كلام عمرو متعددا. والسر فيه ان الكذب عبارة من كلام خبري لا يكون مطابقا للواقع. ومن الظاهر أن وحدة الكلام لا تنثلم بتعدد المدلول. وقد يتعدد الحكم بتعدد المدلول من دون تعدد الدال. كما في الغيبة، فإذا قال زيد: إن عمروا فاسق، فقد اغتاب غيبة واحدة. ولو قال: إن عمروا وخالدا فاسقان، فقد اغتاب غيبتين وارتكب حرامين، فان الغيبة عبارة عن كشف ما ستره الله من عيوب المؤمن، وهو كشف عيب مؤمنين ولو بكلام واحد. والفرق بين القسمين: أنه لا يمكن التبعيض باعتبار المدلول في الأول، فإذا قال زيد عندي درهمان، وكان عنده درهم واحد، لا يصح القول بأن إخباره صدق وكذب، بل كذب ليس إلا، بخلاف القسم الثاني، فإنه لا مانع من التفكيك فيه باعتبار المدلول، فإذا قال زيد: إن عمروا وخالدا فاسقان، يمكن أن يقال: إن هذا الكلام غيبة ومحرمة بالنسبة إلى عمرو لا بالنسبة إلى خالد، لكونه متجاهرا.
(إذا عرفت ذلك) فهل حجية الكلام من قبيل الأول حتى لا يمكن التفكيك باعتبار المدلول، أو من قبيل الثاني ليمكن التفكيك؟ الظاهر هو الثاني. لا ترى أنه لو قامت بينة على أن ما في يد زيد - وهي عشرة دراهم - لعمرو، ثم قامت بينة أخرى على أن خمسة منها لبكر؟ لا إشكال في أنه يؤخذ بالبينة الأولى، ويحكم بأن خمسة