المكلف عالما تعبديا وان كان شاكا وجدانيا. فلا يبقى موضوع للأصول. ولا منافاة بين الامارة والأصل، فان مفاد الأصل هو البناء العملي على تقدير الشك في شئ.
ومفاد الامارة ثبوت هذا الشئ وارتفاع الشك فيه. ولا منافاة بين تعليق شئ على شئ وبين الحكم بعدم تحقق المعلق عليه، كما هو ظاهر. مثلا مفاد البراءة الشرعية هو البناء العملي على عدم التكليف على تقدير الشك فيه، فإذا دل خبر معتبر على ثبوت التكليف، لم يبق شك فيه بالتعبد الشرعي باعتبار حجية الخبر، فهو عالم بالتكليف بحكم الشارع، فيتعين الاخذ بالخبر، بلا منافاة بينه وبين أدلة البراءة. وكذا الكلام في الأصول الجارية في الشبهات الموضوعية: كقاعدة الفراغ مثلا، فان موضوعها الشك في صحة العمل وفساده بعد الفراغ منه. ومع قيام البينة على الفساد يكون المكلف عالما بالفساد بحكم الشارع، فلا يمكن الرجوع إلى قاعدة الفراغ، لارتفاع موضوعه بالتعبد الشرعي. ولا منافاة بينها وبين البينة أصلا، إذ مفاد القاعدة هو البناء العملي على الصحة على تقدير الشك في الصحة والفساد. ومفاد البينة ثبوت الفساد، فلا منافاة بينهما.
وظهر بما ذكرناه أن الدليل الحاكم يتقدم على المحكوم ولو كان بينهما عموم من وجه، لارتفاع موضوع المحكوم في مادة الاجتماع، بلا فرق بين أن يكون الحاكم أقوى دلالة من المحكوم، أو أضعف منه، بل لو كان المحكوم نصا والحاكم ظاهرا، يقدم الحاكم على المحكوم، لما ذكرناه من عدم التنافي بينهما، لارتفاع موضوع المحكوم.
وأما التخصيص، فالوجه في خروجه عن التعارض: أن حجية العام - بل كل دليل - متوقفة على أمور ثلاثة:
(الأول) - صدوره من المعصوم عليه السلام.
(الثاني) - إثبات أن ظاهره مراد للمتكلم، لاحتمال أن يكون مراده خلاف الظاهر.