سائر الحيوانات على ذلك، فان الحيوان يمشي إلى المرتع السابق ويرجع إلى دار صاحبه عملا بالحالة السابقة.
والكلام في هذا الدليل يقع في مقامين: (الأول) في ثبوت هذه السيرة، و (الثاني) في حجيتها، أما الأول، فالتحقيق عدم ثبوت هذه السيرة من العقلاء، فان عملهم على طبق الحالة السابقة على أنحاء مختلفة: (فتارة) يكون عملهم لاطمينانهم بالبقاء كما يرسل تاجر أموالا إلى تاجر آخر في بلدة أخرى لاطمينانه بحياته، لا للاعتماد على مجرد الحالة السابقة، ولذا لو زال اطمينانه بحياته كما لو سمع - أنه مات جماعة من التجار في تلك البلدة - لم يرسل إليه الأموال قطعا، و (أخرى) يكون عملهم رجاء واحتياطا، كمن يرسل الدرهم والدينار إلى ابنه الذي في بلد آخر ليصرفهما في حوائجه، ثم لو شك في حياته فيرسل إليه أيضا للرجاء والاحتياط حذرا من وقوعه في المضيقة على تقدير حياته، و (ثالثة) يكون عملهم لغفلتهم عن البقاء وعدمه فليس لهم التفات حتى يحصل لهم الشك، فيعملون اعتمادا على الحالة السابقة، كمن يجئ إلى داره بلا التفات إلى بقاء الدار وعدمه، ومن هذا الباب جري الحيوانات على الحالة السابقة، فإنه بلا شعور والتفات إلى البقاء وعدمه، فلم يثبت استقرار سيرة العقلاء على العمل اعتمادا على الحالة السابقة.
ويدل على ما ذكرنا أن ارتكاز العقلاء ليس مبنيا على التعبد، بأن كان رئيسهم قد أمرهم بالعمل على طبق الحالة السابقة، بل هو مبني على منشأ عقلائي، كما أن جميع ارتكازيات العقلاء ناشئة من المبادي العقلائية، ولو كانت هنا جهة عقلائية تقتضي العمل على طبق الحالة السابقة، لفهمناها، فانا من جملتهم. وذكر المحقق النائيني (ره) أن عملهم على طبق الحالة السابقة انما هو بالهام إلهي حفظا للنظام. وفيه أن المنكرين لحجية الاستصحاب لم يختل النظام عليهم بعد، ولو كان حفظ النظام يقتضي ذلك، لاختل على المنكرين.
(وأما الكلأ) في المقام الثاني وهو حجية السيرة على تقدير ثبوتها، فالحق هو حجيتها، لان الشارع مع القدرة على الردع لم يردعهم عن ذلك. وعدم الردع - مع