الكلام - فيها من حيث شمول أدلة الاستصحاب لها وعدمه، ومن حيث دلالة دليل آخر عليها وعدمها - بعد الفراغ من بحث الاستصحاب انشاء الله تعالى.
(الجهة الرابعة) في تقسيم الاستصحاب على أنحاء: فتارة يقسم باعتبار المستصحب، فإنه قد يكون حكما شرعيا، وقد يكون غيره، والحكم الشرعي قد يكون تكليفيا، وقد يكون وضعيا. وكذا قد يكون كليا، وقد يكون جزئيا. وأخرى باعتبار منشأ اليقين، فإنه قد يكون العقل وقد يكون غيره من الكتاب والسنة أو السماع والرؤية، كما إذا كان المستصحب من الأمور الخارجية. وثالثة باعتبار منشأ الشك فإنه قد يكون الشك ناشئا من احتمال انقضاء استعداده ذاتا، ويسمى بالشك في المقتضي، وقد يكون ناشئا من احتمال طرو المانع مع اليقين بوجود المقتضي، ويسمى بالشك في الرافع، وغير ذلك من التقسيمات التي تعرض لها الشيخ (ره)، وقد وقع الخلاف بينهم في حجية الاستصحاب مطلقا، وعدمها مطلقا، والتفصيل بين الحكم الشرعي وغيره تارة، وبين ما كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي وغيره أخرى، وبين الشك في المقتضي والشك في الرافع ثالثة. واختار الشيخ (ره) التفصيل باعتبارين: (الأول) التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع، و (الثاني) التفصيل بين ما كان سبب اليقين بالحكم الشرعي الدليل العقلي وغيره، فأنكر حجية الاستصحاب في الأول في التفصيلين وإن كان إرجاع التفصيل الثاني إلى الأول ممكنا. وحيث إن استقصاء هذه التفاصيل تطويل بلا طائل، فالعمدة هو النظر إلى الأدلة التي أقاموها على حجية الاستصحاب، فان تمت فننظر إلى مقدار دلالتها من حيث الشمول لجميع التقادير المتقدمة أو بعضها:
فنقول: قد استدل على حجية الاستصحاب بأمور: (الأول) دعوى السيرة القطعية من العقلاء على العمل على طبق الحالة السابقة، بل عمل الانسان - على طبق الحالة السابقة - ليس من حيث كونه انسانا بل من حيث كونه حيوانا، لاستقرار سيرة