ومقتضاه أيضا وجوب تقليد الأعلم، لكون المورد من موارد دوران الامر بين التعيين والتخيير في الحجية. وقد تقدم ان مقتضى الأصل فيه هو الحكم بالتعيين.
و (أما المورد الثاني) فالتحقيق فيه أنه إذا علم الاختلاف بينهما، وكان فتوى المفضول مطابقا للاحتياط، جاز للعامي الرجوع إلى الأعلم، لما تقدم من قيام السيرة على اتباع الأعلم عند الاختلاف بينه وبين غيره، كما جاز له العمل بفتوى المفضول، فإنه لا يقصر عن الاحتياط في بقية موارد الطرق والامارات. وقد قرر في محله أن حجية الطريق لا تنافي حسن الاحتياط وجوازه. وأما إذ لم يعلم الاختلاف بينهما أصلا، فقد يقال فيه بوجوب تقليد الأعلم، ويستدل عليه بأمور:
(منها) - أن فتوى الأعلم متيقن الاعتبار، وفتوى غيره مشكوك الاعتبار.
وذكرنا مرارا أن مقتضى حكم العقل - عند دوران الحجة بين التعيين والتخيير - هو التعيين. وهذا الوجه إنما ينفع فيما لم يثبت التخيير بدليل، وإلا فلا تصل النوبة إلى العمل بالأصل مع وجود الدليل.
و (منها) - قوله (ع) في مقبولة عمر بن حنظلة: " الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما حكم به الآخر " حيث جعل (ع) الاعتبار بقول الأفقه دون غيره.
وفيه (أولا) - ضعف المقبولة من حيث السند كما تقدم. و (ثانيا) - انها واردة في مورد الاختلاف، كما يفصح عنه قول السائل: " فاختلفا فيما حكما " فموردها خارج عن محل الكلام، وهو صورة عدم العلم بالاختلاف و (ثالثا) - أن موردها الحكومة وفصل الخصومة. ولاوجه للتعدي منه إلى الافتاء، بل قوله (ع):
" الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما... الخ. " يدل على الاختصاص من وجهين: