واردة في الأصول الاعتقادية التي لابد فيها من تحصيل العلم واليقين. ولا يقاس عليها الأحكام الشرعية العملية، لقلة الأصول الاعتقادية وسهولة الوصول إليها بالعلم واليقين لظهور برهانها، بخلاف الاحكام الفرعية فإنها مع كثرتها يصعب الوصول إليها من مداركها المقررة في الشرع. ولذا يصرف قوم أعمارهم لتحصيل ملكة الاستنباط، ولا تتيسر إلا للأوحدي منهم حسب ما اقتضته المصالح الإلهية.
ثم إن المراد من جواز التقليد هو الجواز بالمعنى الأعم، ضرورة أنه إذا انحصر الطريق بالتقليد، كما إذا عجز العامي عن الاحتياط وجب التقليد في حقه تعيينا. وأما مع تمكنه من الاحتياط نخير بينهما، كما لا يخفى.
(المسألة الثانية) - في وجوب تقليد الأعلم وعدمه. ويقع الكلام فيها في مقامين:
(المقام الأول) - في بيان تكليف العامي في نفسه من حيث أنه يتعين عليه تقليد الأعلم، أو أنه يتخير بينه وبين تقليد غيره؟
(المقام الثاني) - في بيان تكليف المجتهد من حيث أنه يجوز له الافتاء بجواز تقليد غير الأعلم أو لا؟
(أما المقام الأول) فلا ينبغي الاشكال في عدم جواز تقليد غير الأعلم للعامي، لكونه عالما بحجية فتوى الأعلم وشاكا في حجية فتوى غيره. والشك في الحجية كاف في الحكم بعدمها. وقد ذكرنا مرارا: أنه في مقام دوران الامر بين التعيين والتخيير في الحجية، يكون مقتضى الأصل هو الحكم بالتعيين. وكذا لو أفتى غير الأعلم بجواز تقليد غير الأعلم، لا يجوز تقليد غير الأعلم استنادا إلى فتواه، لعدم ثبوت حجية نفس هذه الفتوى (أي الفتوى بجواز تقليد غير الأعلم) نعم لو أفتى الأعلم بجواز تقليد غير الأعلم، جاز للعامي تقليد غير الأعلم استنادا إلى فتوى الأعلم،