من التجزي في المقام، واشتبه تبعيض افراد الكلي بتبعيض اجزاء الكل، فان الثاني هو الذي تنافيه البساطة. ولا دخل له بالمقام. وظهر بما ذكرناه فساد ما في الكفاية من وجوب التجزي، لعدم إمكان حصول الاجتهاد المطلق دفعة لبطلان الطفرة. وذلك لان الافراد كلها في عرض واحد، ولا يكون بعضها مقدمة لبعض آخر حتى يتوقف الوصول إلى المرتبة العالية على طي المراتب النازلة، فلا مانع عقلا من حصوله دفعة وبلا تدريج، - ولو بنحو الاعجاز من نبي أو إمام (ع) إلا أن يكون مراده الاستحالة العادية لا العقلية، فإنه لا يمكن عادة حصول الاجتهاد المطلق دفعة، بل هو متوقف على التدريج شيئا فشيئا لا أن حصول الجميع دفعة من المحالات العقلية كاجتماع الضدين مثلا، فان كان مراده هذه فهو صحيح، لكنه خلاف ظاهر كلامه من الاستدلال بلزوم الطفرة، فان ظاهره الاستحالة العقلية.
و (أما المقام الثاني) وهو البحث عن حكمه، فيقع الكلام (تارة) في جواز عمله بفتواه في الموارد التي استنبط الحكم فيها و (أخرى) في جواز رجوع الغير إليه في الموارد المذكورة. و (ثالثة) في نفوذ قضائه وحكمه في المرافعات. فنقول: أما جواز عمله بفتواه، فهو مما لا ينبغي الاشكال فيه، فإنه بالإضافة إلى ما استنبطه من الحكم عالم، فلا تشمله أدلة جواز التقليد، فان قوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) والسيرة العقلائية وغيرهما إنما يدلان على لزوم رجوع الجاهل إلى العالم لا رجوع العالم إلى مثله. وأما رجوع الغير إليه، فالظاهر عدم جوازه. والوجه فيه أن السيرة العقلائية وإن كانت تقتضي جواز الرجوع إليه، فان العقلاء لا يفرقون في الرجوع إلى أهل الخبرة بين من يكون له خبرة في غير الامر المرجوع فيه، ومن لا يكون له خبرة فيه. فالطبيب الحاذق في مرض العين يرجع إليه في معالجة مرض العين، وان لم يكن له خبرة في أمراض القلب والمعدة وأمثالهما. ولكن مجرد قيام السيرة