وأما نفوذ حكمه وقضائه، فموضوعه العالم بجملة من الأحكام الشرعية المعتد بها عرفا، بحيث يصدق عليه عنوان العالم بالأحكام والناظر في الحلال والحرام. وأما ما رواه الصدوق باسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكزم الجمال قال:
قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): " إياكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا، فاجعلوه بينكم، فاني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه " فهو دال على ما ذكرناه، فان كلمة شئ مع التنكير، وان كانت ظاهرة في القلة في غير المقام، الا أنها كناية عن الكثرة في المقام، باعتبار أنه لوحظت قلته بالنسبة إلى علوم الأئمة (عليهم السلام) فلابد من أن يكون كثيرا في نفسه، وإلا لا يعد شيئا من علومهم (ع) فان علمهم (ع) بمنزلة بحر محيط. وشئ منه لا يكون إلا كثيرا في نفسه، كما هو المتعارف، فإنه إذا قيل:
عند فلان شئ من الثروة والمال، يراد منه ما يكون كثيرا في نفسه، فإنه قليل بالنسبة إلى مجموع الأموال والثروة الموجودة في الدنيا. ولعل السر في هذا التعبير هو الإشارة إلى كثرة علمهم (ع)، بحيث يكون علم غيرهم بالنسبة إلى علمهم (ع) كالقطرة من البحر.
ثم إنه ظهر مما ذكرناه عدم جواز تقليد من عرف الاحكام من غير الأدلة المقررة كالرمل والجفر ونحوهما، وأنه لا اعتبار بقضائه، ولو فرض كونه معذورا في تحصيلها منها لقصوره. والوجه في ذلك: أن الأئمة (عليهم السلام) أمروا بالرجوع إلى رواة أحاديثهم، ونهوا عن الاعتماد على غيرهم، وقيدوه بكون الراوي ناظرا في الحلال والحرام الظاهر في اعتبار كونه من أهل النظر والاستنباط في صحة الرجوع إليه، كما في مقبولة عمر بن حنظلة، مضافا إلى أن راوي الأحاديث باعتبار نقله