الرجوع إلى الغير وان كان هو المتمكن من استنباط الاحكام، فيناسبه تعريف الاجتهاد بأنه ملكة يقتدر بها على تحصيل الحجة على الوظيفة الفعلية من الاحكام الواقعية أو الظاهرية، إلا ان هذا التعريف لا يناسب الحكمين الآخرين، لما ستعرف من أنهما مختصان بالعالم بالفعل. فالصحيح تعريف الاجتهاد بأنه العلم بالأحكام الشرعية - الواقعية أو الظاهرية أو بالوظيفة الفعلية عند عدم إحراز الحكم الشرعي - من الأدلة التفصيلية. وبهذا يتحد تعريف الاجتهاد مع تعريف الفقه. غاية الامر أنه لا يلتزم بعدم جواز التقليد لبعض أفراد غير المجتهد أيضا. وهو المتمكن من الاستنباط إن تم الاجماع أو الانصراف المذكورين، وإلا كان موضوع عدم جواز التقليد أيضا هو العالم بالفعل.
وأما جواز رجوع الغير إليه فان تمت دلالة مثل قوله تعالى -: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة طائفة... الخ) ومثل قوله (ع) " فاما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه. فللعوام أن يقلدوه... الخ " - على جواز التقليد، فلا محالة يكون موضوعه هو العالم بعدة من الاحكام، بحيث يصدق عليه عنوان أهل الذكر والفقيه عرفا. ولا يضر في صدق العنوانين المذكورين عرفا عدم استنباط الاحكام النادرة، بل يكفي استنباط الاحكام التي تكون محلا للابتلاء. ولا يصدقان على المتمكن بلا استنباط فعلي. فإنه لا يكون فقيها ولا من أهل الذكر عرفا.
وأما لو لم تتم دلالتها وكان المدرك لجواز التقليد هو حكم العقل أو بناء العقلاء، فسيأتي أن الموضوع فيه هو العالم بالحكم، سواء صدق عليه عنوان الفقيه أم لم يصدق.
والعالم لا يشمل المتمكن من العلم. فإنه جاهل متمكن من تحصيل العلم لا عالم.