ثم إنه لا فرق في جريان الاستصحاب في الكلي بين أن يكون الكلي من الكليات المتأصلة أو من الكليات الاعتبارية ومنها الأحكام الشرعية التكليفية والوضعية على ما ذكرناه من أنها من الأمور الاعتبارية، فلا مانع من استصحاب الكلي الجامع بين الوجوب والندب مثلا، أو من الكليات الانتزاعية كالعالم مثلا بناء على ما ذكرنا في بحث المشتق، من أن مفاهيم المشتقات من الأمور الانتزاعية، فان الموجود في الخارج هو ذات زيد مثلا وعامه، وأما عنوان العالم فهو منتزع من اتصاف الذات بالمبدأ وانتسابه إليه، ولا وجود له غير الوجودين. ثم إن الأثر الشرعي قد يكون للكلي بلا دخل للخصوصية فيه كحرمة مس كتابة القرآن، وعدم جواز الدخول في الصلاة بالنسبة إلى الحدث الأكبر أو الأصغر، وقد يكون الأثر للخصوصية لا للجامع، كجرمة المكث في المسجد والعبور عن المسجدين، فإنهما من آثار خصوص الجنابة لا مطلق الحدث، ففيما كان الأثر للجامع لا معنى لاستصحاب الخصوصية، وفيما كان الأثر للخصوصية لا يصح استصحاب الكلي، بل جريان الاستصحاب تابع للأثر، فإذا كان الشخص جنبا ثم شك في ارتفاعها وهو يريد الدخول في الصلاة أو مس كتابة القرآن، لا يصح له استصحاب الجنابة، لعدم ترتب الأثر على خصوصيتها، بل يجري استصحاب الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر.
وإن أراد الدخول في المسجد، فلا معنى لاستصحاب الحدث لعدم ترتب حرمته على الحدث الجامع بين الأكبر والأصغر، بل لابد من استصحاب خصوص الجنابة، فبالنسبة إلى الأثر الأول يجري الاستصحاب في الكلي، وبالنسبة إلى الأثر الثاني يجري الاستصحاب في الجزئي، فتحصل مما ذكرنا أنا لسنا مخيرين في اجراء الاستصحاب في الكلي والجزئي على ما يظهر من عبارة الكفاية، بل جريان الاستصحاب تابع للأثر على ما ذكرنا.