بيقين آخر " فان المراد من هذا اليقين ليس صفة اليقين يقينا، إذا لا اشكال في نقض اليقين بالامارة، كما إذا كان متيقنا بطهارة شئ فقامت البينة على نجاسته، فلا اشكال في وجوب الاجتناب عنه، وكذا إذا كان متيقنا بالنجاسة فقامت البينة على الطهارة لا اشكال في عدم وجوب الاجتناب، فإذا صح الالتزام بقيام الامارة مقام اليقين الوجداني في قوله (ع): " بل تنقضه بيقين آخر " لصح الالتزام بقيامها مقامه في قوله (ع): " لا تنقض اليقين بالشك ". والسر في الموضعين هو ما ذكرناه من كون الامارة يقينا بالجعل الشرعي. هذا كله في الامارات.
وأما الأصول فتحقيق الحال في جريان الاستصحاب في مواردها، أنها على قسمين:
(القسم الأول) - ما يكون الأصل المتكفل لبيان الحكم في الزمان الأول متكفلا له في الان الثاني والثالث إلى زمان العلم بالخلاف، ففي مثل ذلك لا معنى لجريان الاستصحاب، مثاله قاعدة الطهارة، فإذا شككنا في مائع أنه بول أو ماء، وحكمنا بطهارته لقاعدة الطهارة، ثم شككنا في بقاء طهارته لاحتمال ملاقاته النجاسة، فإنه لا معنى لجريان الاستصحاب حينئذ، إذ قاعدة الطهارة كما تدل على طهارته في الزمان الأول، تدل على طهارته في الزمان الثاني والثالث إلى زمان العلم بالنجاسة. وبعبارة أخرى إن أردنا جريان الاستصحاب في الطهارة الواقعية، فلم يكن لنا يقين بها، وإن أردنا جريانه في الطهارة الظاهرية، فلا يكون لنا شك في ارتفاعها حتى نحتاج إلى الاستصحاب، بل هي باقية يقينا. ومن هذا القبيل قاعدة الحل بل الاستصحاب أيضا، فإذا كان ثوب معلوم الطهارة ثم شككنا في ملاقاته البول مثلا فاستصحبنا طهارته، ثم شككنا في ملاقاته الدم مثلا، فلا معنى لاستصحاب الطهارة بعد تحقق هذا الشك الثاني، إذ نفس الاستصحاب الأول متكفل لبيان طهارته إلى زمان العلم بالنجاسة.