الأمر الثالث أن المتيقن السابق إذا كان مما يستقل به العقل - كحرمة الظلم وقبح التكليف بما لا يطاق ونحوهما من المحسنات والمقبحات العقلية - فلا يجوز استصحابه، لأن الاستصحاب إبقاء ما كان، والحكم العقلي موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به، فإن أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكما قطعيا كما حكم أولا، وإن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم، ولو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا في موضوع جديد.
وأما الشك في بقاء الموضوع، فإن كان لاشتباه خارجي - كالشك في بقاء الإضرار في السم الذي حكم العقل بقبح شربه - فذلك خارج عما نحن فيه، وسيأتي الكلام فيه (1).
وإن كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا واحتمال مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع، فهذا غير متصور في المستقلات العقلية، لأن العقل لا يستقل بالحكم إلا بعد إحراز الموضوع