يرجع إلى الشك في موضوع الحكم، لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن والقبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف، الذي هو الموضوع.
فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه، والموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب، كما سيجئ (1).
ولا فرق فيما ذكرنا، بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع، وبين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم، لأن ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه، فيرجع الأمر بالأخرة إلى تبدل العنوان، ألا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار، فحكمه يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام، ومعلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا، لأن قولنا: " المضر قبيح " حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا، ولا ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر.
ولا يجوز أن يقال: إن هذا الصدق كان قبيحا سابقا فيستصحب قبحه، لأن الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق، بل عنوان المضر، والحكم له مقطوع البقاء، وهذا بخلاف الأحكام الشرعية، فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما، ولا يعلم أن المناط الحقيقي (2) فيه باق في زمان الشك أو مرتفع - إما من جهة جهل المناط أو من جهة الجهل ببقائه مع معرفته (3) - فيستصحب الحكم الشرعي.