أطراف الشبهة إذا لم يكن جاريا أو لم يحتج إليه، فلا ضير في إجراء الأصل في البعض الآخر، ولأجل ما ذكرنا استمر بناء المسلمين في أول البعثة على الاستمرار على ما كانوا عليه حتى يطلعوا على الخلاف.
إلا ان يقال: إن ذلك كان قبل إكمال شريعتنا، وأما بعده فقد جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجميع ما يحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها، فنحن مكلفون بتحصيل ذلك الحكم موافقا أم مخالفا، لأنه مقتضى التدين بهذا الدين.
ولكن يدفعه: أن المفروض حصول الظن المعتبر من الاستصحاب ببقاء حكم الله السابق في هذه الشريعة، فيظن بكونه مما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ولو بنينا على الاستصحاب تعبدا فالأمر أوضح، لكونه حكما كليا في شريعتنا بإبقاء ما ثبت في السابق.
ومنها: ما ذكره في القوانين، من أن جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا، وهو ممنوع، بل التحقيق: أنه بالوجوه والاعتبارات (1).
وفيه: أنه إن أريد ب " الذاتي " المعنى الذي ينافيه النسخ - وهو الذي أبطلوه بوقوع النسخ - فهذا المعنى ليس مبنى الاستصحاب، بل هو مانع عنه، للقطع بعدم النسخ حينئذ، فلا يحتمل الارتفاع.
وإن أريد غيره فلا فرق بين القول به والقول بالوجوه والاعتبارات، فإن القول بالوجوه لو كان مانعا عن الاستصحاب لم يجر الاستصحاب في هذه الشريعة.