معرفة حقيقة غيرها من العبادات ولا يتوقف عليها صحة النية ولولا ذلك لفسدت أكثر عبادات المكلفين إذ لا يعرف حقيقة الصلاة والصيام والحج والعمرة والاحرام سوى الأوحدي من الناس وإذا تتبعت كلمات أهل الفن وجدتها مختلفة في بيان معانيها أشد اختلاف فلو جاء العامل بأحد هذه الأعمال من غير علم بداخلها وخارجها وندبها وواجبها لم يكن عليه باس ويجرى نحو ما حررناه بداية ونهاية في تكليف كل مطاع بما وضع له اسما وعين معناه فيجرى فيه وجوب الاحتياط وادخال ما يحتمل دخوله ان لم يقم فيه احتمال الافساد المبحث الثاني في بيان فضلها وكثرة مزيتها على غيرها من العبادات ومما يدل على ذلك قبل الخوض في الأدلة امتيازها عنها بجمع محاسن أكثرها في غيرها منها الاقرار بالعقايد الدينية من التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد ومنها مكارم الأخلاق من صورة الخضوع والخشوع والتذلل بالقيام والركوع والسجود ووضع أشرف أعضاء البدن على التراب وشبهه واظهار العجز عن يسير الأقوال والافعال الا بإعانة رب العزة والجلال وعلى الاتفاق من البدن والجاه والمال على الظهور في العبودية وعلى أكثر المستحبات والوظائف المرغبات من قرائة القران وقراءة أفضل سورة والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والمدح والشكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والبرائة من أعدائهم لعنهم الله وغير ذلك ولذلك خصت بأمور لم يكن أكثرها في غيرها من طهارة حدث وخبث وأفضل جهة ومكان وزمان وجواز ومنقول ومحمول ومنظور ولباس وهيئة واذان فيه اعلام وإقامة وجماعة فيها أو فيما يلتحق (يلحق) بها من صلاة الجنازة ونحوها وترك ما فيه منافاة للاقبال والتوجه من قهقهة وبكاء لأمور الدنيا أو كلام غير قرائة وذكر ودعاء ومن اكل وشرب وفعل كثير وسكوت ماح للصورة ونحوها وفيها من الوعظ والزجر عن المعاصي والملاهي والظلم لذاتها أو بسبب الاشتغال بها عنها أو بما اشتملت عليه منهما ويشير إلى الجميع قوله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ومن جهة نظمها الذي هو من أكبر المعاجز من البدئة بالاذان المشتمل على شبه الدعوى و البرهان فالأكبرية شاهد استحقاق العبودية لكن لا ينافي وجود معبود اخر فاتى بكلمة التوحيد ثم ذلك لا يفيد حتى يثبت أمر وحكمة فقضت به شهادة الرسالة ثم لا تميل النفس إلى الصلاة حتى تكون فيها ثمرة فذكر انها فلاح ثم لا يتعين حتى تكون خير العمل إذ لو لم تكن كذلك لجاز الاشتغال عنها بغيرها وربع التكبير لبدئته وتعظيمه وليتنبه بالأول الغافل وبالثاني النائم وبالثالث الناسي وبالرابع المتشاغل وثنى الشهادة على وفق الشهادة واتى بالإقامة محتجا بها على الغائب عن سماع الاذان إلى غير ذلك و سيتضح لك شطر منها في بحث بيان الاسرار وقد تكرر الامر بها والحث عليها في كتاب الله زائدا على غيرها وتعليل الفوايد الأخروية بفعلها ونطقت الأخبار المتواترة معنى بيان فضلها فقد روى عنهم (ع) لا اعرف شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة وان صلاة فريضة خير من عشرين حجة وحجة خير من بيت مملو ذهبا يتصدق منه حتى يفنى وان مثل الصلاة كمثل النهر الجاري كلما صلى صلاة تكفر ما بينهما من الذنوب وفيه ظهور في أن الماء الجاري لا ينجس بالملاقات وان قل وإشارة إلى أن الذنوب إذا غلبت على الطاعات لا تؤثر وانه ما من عبد من شيعتهم يقوم إلى الصلاة الا اكتنفته بعدد من خالفه ملائكة يصلون خلفه ويدعون الله له حتى يفرغ من صلاته وفي تخصيص ذلك بالعدول وخصوص الفريضة وجه لو أريد بصلاة الملائكة نحو صلاتنا وبالخلف الجماعة واجراء احكام امامنا في امامهم وانه إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال اقبل الله عليه حتى ينصرف وأظلته و الرحمة من فوق رأسه إلى أفق السماء ووكل الله به ملكا قائما على رأسه يقول أيها المصلى لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجى ما التفت ولا زلت من موضعك ابدا إلى غير ذلك من الاخبار المبحث الثالث في شدة العناية بها وتأكد وجوبها وهو معلوم من تتبع آيات الكتاب وفي بعضها ان الكفار حيث يسئلون في النار عن سبب تعذيبهم يجيبون بترك الصلاة وادعاء عدم الدلالة لبعض الوجوه لا وجه له ومن تتبع الاخبار كقوله صلى الله عليه وآله الصلاة مثل عمود الفسطاط إذا ثبت العمود نفعت الاطناب والأوتاد والغثاء وهو الحبال القصار أو ما على البيت أو الخيمة يدار وإذا انكسر لم ينفع طنب ولا وتد ولا غثاء وربما اذن بالصحة ان عمود الدين الصلاة وهي أول ما ينظر فيه من عمل ابن ادم ان صحت نظر في عمله والا لم ينظر في بقية عمله وان أول ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل ما سواها وقد يفرق بين القبول والاجزاء وان الصلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها وهي بيضاء مشرقة تقول حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول ضيعتني ضيعك الله ثم قد يقال ببناء جميع ما فيه على الحقيقة وقد يبنى على التأويل وانه بينا رسول الله صلى الله عليه وآله جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني وفيه ما يفيد بعض الأحكام الخفية وان النبي صلى الله عليه وآله قال حين موته ليس مني من استخف بصلاته وان تارك الصلاة يدعى كافرا وان شفاعتهم لا تنال من استخف بصلاته والحكم بما تضمنته من الشرطية والخروج عن الملة الاسلامية لا وجه له بالكلية وله ضروب من التأويل
(٧٨)