وقيل المعنى: إن جوارحه تشهد عليه بما عمل كما في قوله - يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون - وأنشد الفراء:
كأن على ذي العقل عينا بصيرة * بمقعده أو منظر هو ناظر * فيكون المعنى: بل جوارح الإنسان عليه شاهدة. قال أبو عبيدة والقتيبي: إن هذه الهاء في بصيرة هي التي يسميها أهل الإعراب هاء المبالغة كما في قولهم: علامة. وقيل المراد بالبصيرة الكاتبان اللذان يكتبان ما يكون منه من خير وشر، والتاء على هذا للتأنيث. وقال الحسن: أي بصير بعيوب نفسه (ولو ألقى معاذيره) أي ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك. يقال معذرة ومعاذير. قال الفراء: أي وإن اعتذر فعليه من يكذب عذره. وقال الزجاج: المعاذير الستور، والواحد معذار: أي وإن أرخى الستور يريد أن يخفى نفسه فنفسه شاهدة عليه، كذا قال الضحاك والسدي. والستر بلغة اليمن يقال له معذار، كذا قال المبرد، ومنه قول الشاعر:
ولكنها ضنت بمنزل ساعة * علينا وأطت يومها بالمعاذر * والأول أولى، وبه قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وابن زيد وأبو العالية ومقاتل، ومثله قوله - يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم - وقوله - ولا يؤذن لهم فيعتذرون - وقول الشاعر:
فما حسن أن يعذر المرء نفسه * وليس له من سائر الناس عاذر * (لا تحرك به لسانك لتعجل به) كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرك شفتيه ولسانه بالقرآن إذا أنزل عليه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي حرصا على أن يحفظه صلى الله عليه وآله وسلم، فنزلت هذه الآية: أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي لتأخذه على عجل مخافة أن يتفلت منك، ومثل هذا قوله - ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه - الآية (إن علينا جمعه) في صدرك حتى لا يذهب عليك منه شئ (وقرآنه) أي إثبات قراءته في لسانك. قال الفراء: القراءة والقرآن مصدران. وقال قتادة فاتبع قرآنه: أي شرائعه وأحكامه (فإذا قرأناه) أي أتممناه قراءته عليك بلسان جبريل (فاتبع قرآنه) أي قراءته (ثم إن علينا بيانه) أي تفسير ما فيه من الحلال والحرام وبيان ما أشكل منه. قال الزجاج: المعنى علينا أن ننزله عليك قرآنا عربيا فيه بيان للناس.
وقيل المعنى: إن علينا أن نبينه بلسانك (كلا بل تحبون العاجلة) كلا للردع عن العجلة والترغيب في الأناة، وقيل هي ردع لمن لا يؤمن بالقرآن وبكونه بينا من الكفار. قال عطاء: أي لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه. قرأ أهل المدينة والكوفيون " بل تحبون " (وتذرون) بالفوقية في الفعلين جميعا. وقرأ الباقون بالتحتية فيهما، فعلى القراءة الأولى يكون الخطاب لهم تقريعا وتوبيخا، وعلى القراءة الثانية يكون الكلام عائدا إلى الإنسان لأنه بمعنى الناس، والمعنى: تحبون الدنيا وتتركون (الآخرة) فلا تعملون لها (وجوه يومئذ ناضرة) أي ناعمة غضة حسنة، يقال:
شجر ناظر وروض ناضر: أي حسن ناعم، ونضارة العيش حسنه وبهجته. قال الواحدي والمفسرون: يقولون مضيئة مسفرة مشرقة (إلى ربها ناظرة) هذا من النظر: أي إلي خالقها ومالك أمرها ناظرة: أي تنظر إليه هكذا قال جمهور أهل العلم، والمراد به ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من أن العباد ينظرون ربهم يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر. قال ابن كثير: وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام وهداة الأنام. وقال مجاهد: إن النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب، وروي نحوه عن عكرمة، وقيل لا يصح هذا إلا عن مجاهد وحده. قال الأزهري: وقول مجاهد خطأ لأنه لا يقال