الإنسان أن لن نجمع عظامه) المراد بالإنسان الجنس، وقيل الإنسان الكافر، والهمزة للإنكار، وأن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف، والمعنى: أيحسب الإنسان أن الشأن أن لن نجمع عظامه بعد أن صارت رفاتا، فنعيدها خلقا جديدا، وذلك حسبان باطل، فإنا نجمعها، وما يدل عليه هذا الكلام هو جواب القسم.
قال الزجاج: أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ليجمعن العظام للبعث، فهذا جواب القسم. وقال النحاس:
جواب القسم محذوف: أي ليبعثن، والمعنى: أن الله سبحانه يبعث جميع أجزاء الإنسان، وإنما خص العظام لأنها قالب الخلق (بلى قادرين على أن نسوي بنانه) بل إيجاب لما بعد النفي المنسحب إليه الاستفهام، والوقف على هذا اللفظ وقف حسن، ثم يبتدئ الكلام بقوله " قادرين " وانتصاب قادرين على الحال: أي بلى نجمعها قادرين، فالحال من ضمير الفعل المقدر، وقيل المعنى: بل نجمعها نقدر قادرين. قال الفراء: أي نقدر، ونقوي قادرين على أكثر من ذلك. وقال أيضا: إنه يصلح نصبه على التكرير: أي بلى فليحسبنا قادرين، وقيل التقدير: بل كنا قادرين، وقرأ ابن أبي عبلة وابن السميفع (بلى قادرون) على تقدير مبتدأ: أي بلى نحن قادرون، ومعنى (على أن نسوي بنانه) على أن نجمع بعضها إلى بعض، فنردها كما كانت مع لطافتها وصغرها، فكيف بكبار الأعضاء، فنبه سبحانه بالبيان، وهي الأصابع على بقية الأعضاء، وأن الاقتدار على بعثها وإرجاعها كما كانت أولى في القدرة من إرجاع الأصابع الصغيرة اللطيفة المشتملة على المفاصل والأظافر والعروق اللطاف والعظام الدقاق، فهذا وجه تخصيصها بالذكر، وبهذا قال الزجاج وابن قتيبة. وقال جمهور المفسرين: إن معنى الآية أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحدا، كخف البعير وحافر الحمار صفيحة واحدة لا شقوق فيها، فلا يقدر على أن ينتفع بها في الأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة ونحوهما، ولكنا فرقنا أصابعه لينتفع بها. وقيل المعنى:
بل نقدر على أن نعيد الإنسان في هيئة البهائم، فكيف في صورته التي كان عليها، والأول أولى، ومنه قول عنترة:
وإن الموت طوع يدي إذا ما * وصلت بنانها بالهندوان فنبه بالبنان على بقية الأعضاء (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) هو عطف على أيحسب، إما على أنه استفهام مثله وأضرب عن التوبيخ بذلك إلى التوبيخ بهذا، أو على أنه إيجاب انتقل إليه من الاستفهام. والمعنى: بل يريد الإنسان أن يقدم فجوره فيما بين يديه من الأوقات، وما يستقبله من الزمان، فيقدم الذنب ويؤخر التوبة. قال ابن الأنباري: يريد أن يفجر ما امتد عمره، وليس في نيته أن يرجع عن ذنب يرتكبه. قال مجاهد والحسن وعكرمة والسدي وسعيد بن جبير: يقول سوف أتوب ولا يتوب حتى يأتيه الموت. وهو على أشر أحواله. قال الضحاك:
هو الأمل، يقول سوف أعيش وأصيب من الدنيا، ولا يذكر الموت، والفجور أصله الميل عن الحق، فيصدق على كل من مال عن الحق بقول أو فعل، ومنه قول الشاعر:
أقسم بالله أبو حفص عمر * ما مسها من نقب ولا دبر * اغفر له اللهم إن كان فجر وجملة (يسأل أيان يوم القيامة) مستأنفة لبيان معنى يفجر، والمعنى: يسأل متى يوم القيامة سؤال استبعاد واستهزاء (فإذا برق البصر) أي فزع وتحير من برق الرجل: إذا نظر إلى البرق فدهش بصره. قرأ الجمهور " برق " بكسر الراء. قال أبو عمرو بن العلاء والزجاج وغيرهما: المعنى تحير فلم يطرف، ومنه قول ذي الرمة:
ولو أن لقمان الحكيم تعرضت * لعينيه مي بسافرا كاد يبرق * وقال الخليل والفراء: برق بالكسر: فزع وبهت وتحير، والعرب تقول للإنسان المبهوت: قد برق فهو برق، وأنشد الفراء: