- فاجتنبوا الرجس من الأوثان - وبه قال ابن زيد. وقال إبراهيم النخعي: الرجز المأثم، والهجر الترك. وقال قتادة: الرجز إساف ونائلة، وهما صنمان كانا عند البيت. وقال أبو العالية والربيع والكسائي: الرجز بضم الوثن وبالكسر العذاب. وقال السدي: الرجز بضم الراء الوعيد، والأول أولى (ولا تمنن تستكثر) قرأ الجمهور " لا تمنن " بفك الإدغام، وقرأ الحسن وأبو اليمان والأشهب العقيلي بالإدغام، وقرأ الجمهور " تستكثر " بالرفع على أنه حال: أي ولا تمنن حال كونك مستكثرا، وقيل على حذف أن، والأصل ولا تمنن أن تستكثر، فلما حذفت رفع. قال الكسائي: فإذا حذف أن رفع الفعل. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش " تستكثر " بالنصب على تقدير أن وبقاء عملها، ويؤيد هذه القراءة قراءة ابن مسعود " ولا تمنن أن تستكثر " بزيادة أن. وقرأ الحسن أيضا وابن أبي عبلة " تستكثر " بالجزم على أنه بدل من تمنن كما في قوله - يلق أثاما يضاعف له - وقول الشاعر.
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا * تجد حطبا جزلا ونارا تأججا أو الجزم لإجراء الوصل مجرى الوقف: كما في قول امرئ القيس:
فاليوم أشرب غير مستحقب * إثما من الله ولا واغل بتسكين أشرب. وقد اعترض على هذه القراءة، لأن قوله تستكثر لا يصح أن يكون بدلا من تمنن، لأن المن غير الاستكثار، ولا يصح أن يكون جوابا للنهي.
واختلف السلف في معنى الآية، فقيل المعنى: لا تمنن على ربك بما تتحمله من أعباء النبوة كالذي يستكثر ما يتحمله بسبب الغير، وقيل لا تعط عطية تلتمس فيها أفضل منها قاله عكرمة وقتادة. قال الضحاك: هذا حرمه الله على رسوله، لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق، وأباحه لأمته. وقال مجاهد: لا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولك حبل متين: إذا كان ضعيفا. وقال الربيع بن أنس: لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير وقال ابن كيسان: لا تستكثر عملا فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل لك سبيلا إلى عبادته. وقيل لا تمنن بالنبوة والقرآن على الناس فتأخذ منهم أجرا تستكثره. وقال محمد بن كعب: لا تعط تعط مالك مصانعة. وقال زيد بن أسلم: إذا أعطيت عطية فأعطها لربك (ولربك فاصبر) أي لوحه ربك فاصبر على طاعته وفرائضه، والمعنى: لأجل ربك وثوابه. وقال مقاتل ومجاهد: أصبر على الأذى والتكذيب. وقال ابن زيد:
حملت أمرا عظيما فحاربتك العرب والعجم فاصبر عليه لله. وقيل أصبر تحت موارد القضاء لله، وقيل فاصبر على البلوى، وقيل على الأوامر والنواهي (فإذا نقر في الناقور) الناقور فاعول من النقر كأنه من شأنه أن ينقر فيه للتصويت، والنقر في كلام العرب الصوت، ومنه قول امرئ القيس: أخفضه بالنقر لما علوته ويقولون نقر باسم الرجل إذا دعاه، والمراد هنا النفخ في الصور، والمراد النفخة الثانية، وقيل الأولى، وقد تقدم الكلام في هذا في سورة الأنعام وسورة النخل والفاء للسببية، كأنه قيل: أصبر على أذاهم، فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة أمرهم، والعامل في إذا ما دل عليه قوله (فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين) فإن معناه عسر الأمر عليهم، وقيل العامل فيه ما دل عليه " فذلك " لأنه إشارة إلى النقر، ويومئذ بدل من إذا، أو مبتدأ وخبره يوم عسير، والجملة خبر فذلك، وقيل هو ظرف للخبر، لأن التقدير وقوع يوم عسير، وقوله (غير يسير) تأكيد لعسره عليهم لأن كونه غير يسير، قد فهم من قوله يوم عسير (ذرني ومن خلقت وحيدا) أي دعني، وهي كلمة تهديد ووعيد، والمعنى: دعني والذي خلقته حال كونه وحيدا في بطن أمة لا مال له ولا