ويجوز أن تكون عاطفة على الذي يكذب: إما عطف ذات على ذات، أو صفة على صفة. فعلى الأول يكون اسم الإشارة مبتدأ وخبره الموصول بعده، أو خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو ذلك، والموصول صفته. وعلى الثاني يكون في محل نصب لعطفه على الموصول الذي هو في محل نصب. ومعنى يدع يدفع دفعا بعنف وجفوة: أي يدفع اليتيم عن حقه دفعا شديدا، ومنه قوله سبحانه - يوم يدعون إلى نار جهنم دعا - وقد قدمنا أنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان (ولا يحض على طعام المسكين) أي لا يحض نفسه ولا أهله ولا غيرهم على ذلك بخلا بالمال، أو تكذيبا بالجزاء، وهو مثل قوله في سورة الحاقة - ولا يحض على طعام المسكين - (فويل) يومئذ (للمصلين) الفاء جواب لشرط محذوف كأنه قيل إذا كان ما ذكر من عدم المبالاة باليتيم والمسكين فويل للمصلين (الذين هم عن صلاتهم ساهون) أي عذاب لهم، أو هلاك، أو واد في جهنم لهم كما سبق الخلاف في معنى الويل، ومعنى ساهون: غافلون غير مبالين بها، ويجوز أن تكون الفاء لترتيب الدعاء عليهم بالويل على ما ذكر من قبائحهم، ووضع المصلين موضع ضميرهم للتوصل بذلك إلى بيان أن لهم قبائح أخر غير ما ذكر. قال الواحدي:
نزلت في المنافقين الذين لا يرجون بصلاتهم ثوابا إن صلوا، ولا يخافون عليها عقابا إن تركوا، فهم عنها غافلون حتى يذهب وقتها، وإذا كانوا مع المؤمنين صلوا رياء، وإذا لم يكونوا معهم لم يصلوا، وهو معنى قوله (الذين هم يراءون) أي يراءون الناس بصلاتهم إن صلوا، أو يراءون الناس بكل ما عملوه من أعمال البر ليثنوا عليهم. قال النخعي (الذين هم عن صلاتهم ساهون) هو الذي إذا سجد قال برأسه هكذا وهكذا ملتفتا. وقال قطرب: هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله. وقرأ ابن مسعود الذين هم عن صلاتهم لاهون (ويمنعون الماعون). قال أكثر المفسرين: الماعون اسم لما يتعاوزه ذلك الناس بينهم: من الدلو والفأس والقدر، ومالا يمنع كالماء والملح. وقيل هو الزكاة: أي يمنعون زكاة أموالهم. وقال الزجاج وأبو عبيد والمبرد: الماعون في الجاهلية كل ما فيه منفعة حتى الفأس والدلو والقدر والقداحة وكل ما فيه منفعة من قليل وكثير، وأنشدوا قول الأعشى:
بأجود منه بماعونه * إذا ما سماؤهم لم تغم قال الزجاج وأبو عبيد والمبرد أيضا: والماعون في الإسلام الطاعة والزكاة، وأنشدوا قول الراعي:
أخليفة الرحمن إنا معشر * حنفا نسجد بكرة وأصيلا عرب نرى لله من أموالنا * حق الزكاة منزلا تنزيلا قوم على الإسلام لما يمنعوا * ما عونهم ويضيعوا التهليلا وقيل الماعون الماء. قال الفراء: سمعت بعض العرب يقول: الماعون الماء، وأنشدني:
تمج صبيرة الماعون صبا * والصبيرة السحاب، وقيل الماعون: هو الحق على العبد على العموم، وقيل هو المستغل من منافع الأموال، مأخوذ من المعن، وهو القليل. قال قطرب: أصل الماعون من القلة، والمعن: الشئ القليل، فسمى الله الصدقة والزكاة ونحو ذلك من المعروف ماعونا، لأنه قليل من كثير، وقيل هو ما لا يبخل به كالماء والملح والنار.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (أرأيت الذي يكذب بالدين) قال: يكذب بحكم الله (فذلك الذي يدع اليتيم) قال: يدفعه عن حقه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عنه (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) قال: هم المنافقون يراءون الناس بصلاتهم