تتقابل. وروى عن عطاء أنه قال: امره أن يستوي بين السجدتين جالسا حتى يبدو نحره. وقال سليمان التيمي:
المعنى: وارفع يديك بالدعاء إلى نحرك، وظاهر الآية الأمر له صلى الله عليه وآله وسلم بمطلق الصلاة ومطلق النحر وأن يجعلهما لله عز وجل لا لغيره، وما ورد في السنة من بيان هذا المطلق بنوع خاص فهو في حكم التقييد له، وسيأتي إن شاء الله (إن شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم، فيعم خيري الدنيا والآخرة، أو الذي لا عقب له، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته. وظاهر الآية العموم، وأن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر غير مرة. قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا:
قد بتر فلان، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بتر محمد، فنزلت الآية. وقيل القائل بذلك عقبة بن أبي معيط. قال أهل اللغة: الأبتر من الرجال: الذي لا ولد له، ومن الدواب: الذي لا ذنب له، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر، وأصل البتر القطع، يقال بترت الشئ بترا: قطعته.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال " أغفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إغفاءه فرفع رأسه مبتسما فقال: إنه أنزل على آنفا سورة، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر) حتى ختمها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك ". وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال:
هذا الكوثر الذي أعطاكه الله " وقد روى عن أنس من طرق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله (إنا أعطيناك الكوثر) قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم في بطنان الجنة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله (إنا أعطيناك الكوثر) قال: نهر في الجنة، وحسن السيوطي إسناده. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعا " أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر، فقال: أجل وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ ".
وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا قال: يا رسول الله ما الكوثر؟ قال: هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله " فهذه الأحاديث تدل على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة، فيتعين المصير إليها، وعدم التعويل على غيرها، وإن كان معنى الكوثر: هو الخير الكثير في لغة العرب، فمن فسره بما هو أعم مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغوي. كما أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال: قال محارب بن دثار: قال سعيد بن جبير في الكوثر: قلت حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير، فقال: صدق إنه للخير الكثير.
ولكن حدثنا ابن عمر قال نزلت (إنا أعطيناك الكوثر) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من