تراهم إلى الداعي سراعا كأنهم * أبابيل طير تحت دجن سجن وتستعملها في غير الطير كقول الآخر:
كادت تهد من الأصوات راحلتي * أن سالت الأرض بالجرد الأبابيل (ترميهم بحجارة من سجيل) الجملة في محل نصب صفة لطير. قرأ الجمهور (ترميهم) بالفوقية. وقرأ أبو حنيفة وأبو معمر وعيسى وطلحة بالتحتية، واسم الجمع يذكر ويؤنث. وقيل: الضمير في القراءة الثانية لله عز وجل قال الزجاج (من سجيل) أي مما كتب عليهم العذاب به، مشتقا من السجل. قال في الصحاح قالوا: هي حجارة من طين طبخت بنار جهنم مكتوب فيها أسماء القوم. قال عبد الرحمن بن أبزي: (من سجيل) من السماء، وهي الحجارة التي نزلت على قوم لوط، وقيل: من الجحيم التي هي سجين، ثم أبدلت النون لاما، ومنه قول ابن مقبل: ضربا تواصت به الأبطال سجيلا * وإنما هو سجينا. قال عكرمة: كانت ترميهم بحجارة معها، فإذا أصاب أحدهم حجر منها خرج به الجدري، وكان الحجر كالحمصة وفوق العدسة، وقد قدمنا الكلام في سجيل في سورة هود (فجعلهم كعصف مأكول) أي جعل الله أصحاب الفيل كورق الزرع إذا أكلته الدواب فرمت به من أسفل، شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزائه. وقيل المعنى: أنهم صاروا كورق زرع قد أكلت منه الدواب وبقى منه بقايا، أو أكلت حبه فبقى بدون حبه. والعصف جمع عصفة وعصافة وعصيفة، وقد قدمنا الكلام في العصف في سورة الرحمن فارجع إليه.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس قال: جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح فأتاهم عبد المطلب فقال: إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا، قالوا: لا نرجع حتى نهدمه وكانوا لا يقدمون فيلهم إلا تأخر، فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم رمتهم فما بقى منهم أحد إلا أخذته الحكة، فكان لا يحك الإنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه. وأخرج ابن المنذر والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عنه قال: أقبل أصحاب الفيل حتى إذا دنوا من مكة استقبلهم عبد المطلب، فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شئ؟ فقال: أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن، فجئت أخيف أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شئ تريد فارجع، فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلف عبد المطلب، فقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التي قال الله (ترميهم بحجارة من سجيل) فجعل الفيل يعج عجا (فجعلهم كعصف مأكول).
وقصة أصحاب الفيل مبسوطة مطولة في كتب التاريخ والسير فلا نطول بذكرها. وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله (ترميهم بحجارة من سجيل) قال: حجارة مثل البندق وبها نضح حمرة مختمة مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره حلقت عليهم من السماء ثم أرسلت عليهم تلك الحجارة فلم تعد عسكرهم. وأخرج أبو نعيم من طريق عطاء والضحاك عنه أن أبرهة الأشرم قدم من اليمن يريد هدم الكعبة، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل بريد مجتمعة، لها خراطيم تحمل حصاة في منقارها وحصاتين في رجليها، ترسل واحدة على رأس الرجل فيسيل لحمه ودمه ويبقى عظاما خاوية لا لحم عليها ولا جلد ولا دم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عنه أيضا (فجعلهم كعصف مأكول) يقول: كالتبن. وأخرج ابن إسحاق في السيرة والواقدي وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن عائشة قالت: لقد رأيت قائد الفيل وسائسه بمكة أعميين مقعدين يستطعمان.