الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع. والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه، ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب " تقدموا " بفتح التاء والقاف والدال. قال الواحدي: قدم ها هنا بمعنى تقدم، وهو لازم. قال أبو عبيدة:
العرب تقول لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب: أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى: لا تقدموا قبل أمرهما ونهيهما، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لاما بين يدي الإنسان، ومعنى الآية: لا تقطعوا أمرا دون الله ورسوله ولا تعجلوا به. وقيل المراد معنى بين يدي فلان بحضرته، لأن ما يحضره الإنسان فهو بين يديه (واتقوا الله) في كل أموركم، ويدخل تحتها الترك للتقدم بين يدي الله ورسوله دخولا أوليا. ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله (إن الله سميع) لكل مسموع (عليم) بكل معلوم (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت، لأن ذلك يدل على قلة الاحتشام وترك الاحترام، لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوفير. ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللغط، والأول أولى. والمعنى لا ترفعوا أصواتكم إلى حد يكون فوق ما يبلغه صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال المفسرون: المراد من الآية تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتوقيره وأن لا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضا (ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض) أي لا تجهروا بالقول إذا كلمتموه كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضا. قال الزجاج: أمرهم الله بتجليل نبيه وأن يغضوا أصواتهم ويخاطبوه بالسكينة والوقار، وقيل المراد بقوله (ولا تجهروا له بالقول) لا تقولوا يا محمد ويا أحمد، ولكن يا نبي الله ويا رسول الله توقيرا له، والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف: أي جهرا مثل جهر بعضكم لبعض، وليس المراد برفع الصوت وبالجهر في القول هو ما يقع على طريقة الاستخفاف فإن ذلك كفر، وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره. والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور: الأول عن التقدم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام. والثاني عن رفع الصوت البالغ إلى حد يكون فوق صوته سواء كان في خطابه أو في خطاب غيره. والثالث ترك الجفاء في مخاطبته ولزوم الأدب في مجاورته، لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره. ثم علل سبحانه ما ذكره بقوله (أن تحبط أعمالكم) قال الزجاج: أن تحبط أعمالكم التقدير لأن تحبط أعمالكم أي فتحبط، فاللام المقدرة لأم الصيرورة كذا قال، وهذه العلة يصح أن تكون للنهي: أي نهاكم الله عن الجهر خشية أن تحبط، أو كراهة أن تحبط، أو علة للمنهي: أي لا تفعلوا الجهر فإنه يؤدي إلى الحبوط، فكلام الزجاج ينظر إلى الوجه الثاني لا إلى الوجه الأول، وجملة (وأنتم لا تشعرون) في محل نصب على الحال، وفيه تحذير شديد ووعيد عظيم. قال الزجاج: وليس المراد وأنتم لا تشعرون يوجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم، فكما لا يكون الكافر مؤمنا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون الكافر كافرا من حيث لا يعلم. ثم رغب سبحانه في امتثال ما أمر به، فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) أصل الغض النقص من كل شئ، ومنه نقص الصوت (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) قال الفراء:
أخلص قلوبهم للتقوى كما يمتحن الذهب بالنار، فيخرج جيده من رديئه ويسقط خبيثه. وبه قال مقاتل ومجاهد وقتادة. وقال الأخفش: اختصها للتقوى، وقيل طهرها من كل قبيح، وقيل وسعها وسرحها، من محنت الأديم:
إذا وسعته. وقال أبو عمرو: كل شئ جهدته فقد محنته، واللام في للتقوى متعلقة بمحذوف: أي صالحة للتقوى كقولك أنت صالح لكذا، أو للتعليل الجاري مجرى بيان السبب، كقولك جئتك لأداء الواجب: أي ليكون مجيئي سببا لأداء الواجب (لهم مغفرة وأجر عظيم) أي أولئك لهم، فهو خبر آخر لاسم الإشارة، ويجوز أن يكون