أو هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة (ولن تجد لسنة الله تبديلا) أي لن تجد لها تغييرا، بل هي مستمرة ثابتة (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) أي كف أيدي المشركين عن المسلمين وأيدي المسلمين عن المشركين لما جاءوا يصدون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه عن البيت عام الحديبية، وهي المراد ببطن مكة. وقيل إن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قبل جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخذهم المسلمون ثم تركوهم. وفي رواية اختلاف سيأتي بيانه آخر البحث إن شاء الله (وكان الله بما تعملون بصيرا) لا يخفي عليه من ذلك شئ.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله (أولى بأس شديد) يقول: فارس. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم الأكراد. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال:
فارس والروم. وأخرج الفريابي وابن مردويه عنه قال: هوازن وبني حنيفة. وأخرج الطبراني. قال السيوطي بسند حسن عن زيد بن ثابت قال: كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال إذ جاء أعمى فقال: " كيف لي وأنا ذاهب البصر؟ فنزلت (ليس على الأعمى حرج) الآية ". قال هذا في الجهاد، وليس عليهم من جهاد إذا لم يطيقوا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: " بينا نحن قائلون إذ نادى منادى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس، فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فذلك قول الله تعالى (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) فبايع لعثمان إحدى يديه على الأخرى، فقال الناس هنيئا لابن عفان يطوف بالبيت ونحن ها هنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف ". وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن نافع قال: بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فأمر بها فقطعت. وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة، قيل على أي شئ كنتم تبايعونه يومئذ؟ قال: على الموت. وأخرج مسلم وغيره عن جابر قال: بايعاه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ". وأخرج مسلم من حديثه مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (فأنزل السكينة عليهم) قال: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه (فجعل لكم هذه) يعني الفتح. وأخرج ابن مردويه عنه أيضا (فعجل لكم هذه) يعني خيبر (وكف أيدي الناس عنكم) يعني أهل مكة أن يستحلوا حرم الله ويستحل بكم وأنتم حرم (ولتكون آية للمؤمنين) قال سنة لمن بعدكم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه أيضا في قوله (وأخري لم تقدروا عليها) قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم، وأخرج ابن جرير وابن مردويه عنه أيضا (وأخرى لم تقدروا عليها) قال: هي خيبر. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس قال: لما كان يوم الحديبية، هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبال التنعيم يريدون غرة رسول الله، فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم، فنزلت هذه الآية (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم) وفي صحيح مسلم وغيره: أنها نزلت في نفر أسرهم سلمة ابن الأكوع يوم الحديبية. وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل في سبب نزول الآية