سورة محمد (32 - 38) قوله (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله) المراد بهؤلاء هم المنافقون، وقيل أهل الكتاب، وقيل هم المطعمون يوم بدر من المشركين، ومعنى صدهم عن سبيل الله: منعهم للناس عن الإسلام واتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (و) معنى (شاقوا الرسول) عادوه وخالفوه (من بعد ما تبين لهم الهدى) أي علموا أنه صلى الله عليه وآله وسلم نبي من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة والحجج القاطعة (لن يضروا الله شيئا) بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر وما ضروا إلا أنفسهم (وسيحبط أعمالهم) أي يبطلها، والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام وصلة الأرحام وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير وإن كانت باطلة من الأصل لأن الكفر مانع، وقيل المراد بالأعمال المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله فقال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله، ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالكم كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر فقال (ولا تبطلوا أعمالكم) قال الحسن: أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي.
وقال الزهري: بالكبائر. وقال الكلبي وابن جريج: بالرياء والسمعة. وقال مقاتل: بالمن. والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائنا ما كان من غير تخصيص بنوع معين. ثم بين سبحانه أنه لا يغفر للمصرين على الكفر والصد عن سبيل الله فقال (إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم) فقيد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر، لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حيا، وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصا. ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف فقال (فلا تهنوا) أي تضعفوا عن القتال، والوهن الضعف (وتدعوا إلى السلم) أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداء منكم، فإن ذلك لا يكون إلا عند الضعف. قال الزجاج: منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " وتدعوا " بتشديد الدال من ادعى القوم وتداعوا. قال قتادة:
معنى الآية: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة؟ فقيل إنها محكمة، وإنها ناسخة لقوله - وإن جنحوا للسلم فاجنح لها - وقيل منسوخة بهذه الآية. ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداء ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون، فالآيتان محكمتان ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص، وجملة (وأنتم الأعلون) في محل نصب على الحال، أو مستأنفة مقررة لما قبلها من النهى: أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة. قال الكلبي: أي آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات، وكذا جملة قوله (والله معكم) في محل نصب على الحال: أي معكم بالنصر