بالعلم (واستغفر لذنبك) أي استغفر الله أن يقع منك ذنب، أو استغفر الله ليعصمك، أو استغفره مما ربما يصدر منك من ترك الأولى. وقيل الخطاب له، والمراد الأمة، ويأتي هذا قوله (وللمؤمنين والمؤمنات) فإن المراد به استغفاره لذنوب أمته بالدعاء لهم بالمغفرة عما فرط من ذنوبهم (والله يعلم متقلبكم) في أعمالكم (ومثواكم) في الدار الآخرة، وقيل متقلبكم في أعمالكم نهارا ومثواكم في ليلكم نياما - وقيل متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم في الأرض: أي مقامكم فيها. قال ابن كيسان: متقلبكم من ظهر إلى بطن في الدنيا، ومثواكم في القبور.
وقد أخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: أنت أحب بلاد الله إلى، ولولا أن أهلك أخرجوني منك لما أخرج، فأعتي الأعداء من عتا على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بدخول الجاهلية " فأنزل الله (وكأين من قرية) الآية. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (أنهار من ماء غير آسن) قال: غير متغير. وأخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " في الجنة بحر اللبن وبحر الماء وبحر العسل وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها ". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده والبيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا) قال: كنت فيمن يسأل. وأخرج عبد بن حميد من وجه آخر عنه في الآية قال: أنا منهم، وفي هذا منقبة لابن عباس جليلة لأنه كان إذ ذاك صبيا غير بالغ، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو في سن البلوغ، فسؤال الناس له عن معاني القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووصف الله سبحانه للمسئولين بأنهم الذين أوتوا العلم وهو منهم من أعظم الأدلة على سعة علمه ومزيد فقهه في كتاب الله وسنة رسوله، مع كون أترابه وأهل سنه إذ ذاك يلعبون مع الصبيان. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا خرجوا من عنده قالوا لابن عباس: ماذا قال آنفا؟
فيقول كذا وكذا، وكان ابن عباس أصغر القوم، فأنزل الله الآية، فكان ابن عباس من الذين أوتوا العلم وأخرج ابن أبي شيبة وابن عساكر عن ابن بريدة في الآية قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: هو عبد الله بن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) قال: لما أنزل القرآن آمنوا به، فكان هدى، فلما تبين الناسخ من المنسوخ زادهم هدى. وأخرج ابن المنذر عنه (فقد جاء أشراطها) قال: أول الساعات، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالوسطى والسبابة " ومثله عند البخاري من حديث سهل بن سعد. وفي الباب أحاديث كثيرة فيها بيان أشراط الساعة وبيان ما قد وقع منها وما لم يكن قد وقع، وهي تأتي في مصنف مستقل فلا نطيل بذكرها. وأخرج الطبراني وابن مردويه والديلمي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الاستغفار " ثم قرأ (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي