والمعونة عليهم (ولن يتركم أعمالكم) أي لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم، يقال وتره يتره وترا: إذا نقصه حقه وأصله من وترت الرجل: إذا قتلت له قريبا أو نهبت له مالا، ويقال فلان مأتور: إذا قتل له قتيل ولم يؤخذ بدمه. قال الجوهري: أي لن ينقصكم في أعمالكم كما تقول دخلت البيت وأنت تريد في البيت. قال الفراء: هو مشتق من الوتر وهو الدخل، وقيل مشتق من الوتر وهو الفرد، فكأن المعنى: ولن يفردكم بغير ثواب (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) أي باطل وغرور لا أصل لشئ منها ولا ثبات له ولا اعتداد به (وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم) أي إن تؤمنوا بالله وتتقوا الكفر والمعاصي يؤتكم جزاء ذلك في الآخرة، والأجر الثواب على الطاعة (ولا يسألكم أموالكم) أي لا يأمركم بإخراجها جميعها في الزكاة وسائر وجوه الطاعات، بل أمركم بإخراج القليل منها وهو الزكاة. وقيل المعنى: لا يسألكم أموالكم إنما يسألكم أمواله لأنه أملك لها، وهو المنعم عليكم بإعطائها.
وقيل لا يسألكم أموالكم أجرا على تبليغ الرسالة كما في قوله - ما أسألكم عليه من أجر - والأول أولى (إن يسألكموها) أي أموالكم كلها (فيحفكم) قال المفسرون: يجهدكم ويلحف عليكم بمسألة جميعها، يقال أحفى بالمسألة وألحف وألح بمعنى واحد، والمعنى المستقصى في السؤال، والإحفاء الاستقصاء في الكلام، ومنه إحفاء الشارب: أي استئصاله، وجواب الشرط قوله (تبخلوا) أي إن يأمركم بإخراج جميع أموالكم تبخلوا بها وتمتنعوا من الامتثال (ويخرج أضغانكم) معطوف على جواب الشرط، ولهذا قرأ الجمهور " يخرج " بالجزم، وروى عن أبي عمرو أنه قرأ بالرفع على الاستئناف، وروى عنه أنه قرأ بفتح الياء وضم الراء ورفع أضغانكم، وروى عن يعقوب الحضرمي أنه قرأ بالنون، وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن محيصن وحميد بالفوقية المفتوحة مع ضم الراء. وعلى قراءة الجمهور فالفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه، أو إلى البخل المدلول عليه بتبخلوا. والأضغان: الأحقاد، والمعنى: أنها تظهر عند ذلك. قال قتادة: قد علم الله أن في سؤال المال خروج الأضغان (ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله) أي ها أنتم هؤلاء أيها المؤمنون تدعون لتنفقوا في الجهاد وفي طريق الخير (فمنكم من يبخل) بما يطلب منه ويدعى إليه من الإنفاق في سبيل الله، وإذا كان منكم من يبخل باليسير من المال، فكيف لا تبخلون بالكثير وهو جميع الأموال. ثم بين سبحانه أن ضرر البخل عائد على النفس فقال (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) أي يمنعها الأجر والثواب ببخله، وبخل يتعدى بعلى تارة وبعن أخرى. وقيل إن أصله أن يتعدى بعلى ولا يتعدى بعن إلا إذا ضمن معنى الإمساك (والله الغنى) المطلق المتنزه عن الحاجة إلى أموالكم (وأنتم الفقراء) إلى الله وإلى ما عنده من الخير والرحمة، وجملة (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم) معطوفة على الشرطية المتقدمة وهي وإن تؤمنوا، والمعنى: وإن تعرضوا عن الإيمان والتقوى يستبدل قوما آخرين يكونون مكانكم هم أطوع لله منكم (ثم لا يكونوا أمثالكم) في التولي عن الإيمان والتقوى. قال عكرمة: هم فارس والروم. وقال الحسن: هم العجم. وقال شريح ابن عبيد: هم أهل اليمن، وقيل الأنصار، وقيل الملائكة، وقيل التابعون. وقال مجاهد: هم من شاء الله من سائر الناس. قال ابن جرير: والمعنى (ثم لا يكونوا أمثالكم) في البخل بالإنفاق في سبيل الله.
وقد أخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم) فخافوا أن يبطل الذنب العمل، ولفظ عبد بن حميد: فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم. وأخرج ابن نصر وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر قال: كنا معشر أصحاب النبي