من القرى) الخطاب لأهل مكة، والمراد بما حولهم من القرى قرى ثمود، وقرى لوط ونحوهما مما كان مجاورا لبلاد الحجاز، وكانت أخبارهم متواترة عندهم (وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون) أي بينا الحجج ونوعناها لكي يرجعوا عن كفرهم فلم يرجعوا. ثم ذكر سبحانه أنه لم ينصرهم من عذاب الله ناصر فقال (فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة) أي فهلا نصرهم آلهتهم التي تقربوا بها بزعمهم إلى الله لتشفع لهم حيث قالوا - هؤلاء شفعاؤنا عند الله - ومنعتهم من الهلاك الواقع بهم. قال الكسائي: القربان كل ما يتقرب به إلى الله من طاعة ونسيكة والجمع قرابين كالرهبان والرهابين، وأحد مفعولي اتخذوا ضمير راجع إلى الموصول، والثاني آلهة، وقربانا حال، ولا يصح أن يكون قربانا مفعولا ثانيا، وآلهة بدلا منه لفساد المعنى، وقيل يصح ذلك ولا يفسد المعنى، ورجحه ابن عطية وأبو البقاء وأبو حيان، وأنكر أن يكون في المعنى فساد على هذا الوجه (بل ضلوا عنهم) أي غابوا عن نصرهم ولم يحضروا عند الحاجة إليهم، وقيل بل هلكوا، وقيل الضمير في ضلوا راجع إلى الكفار:
أي تركوا الأصنام وتبرءوا منها، والأول أولى، والإشارة بقوله (وذلك) إلى ضلال آلهتهم. والمعنى وذلك الضلال والضياع أثر (إفكهم) الذي هو اتخاذهم إياها آلهة وزعمهم أنها تقربهم إلى الله. قرأ الجمهور " إفكهم " بكسر الهمزة وسكون الفاء مصدر أفك يأفك إفكا: أي كذبهم. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد بفتح الهمزة والفاء والكاف على أنه فعل: أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. وقرأ عكرمة بفتح الهمزة وتشديد الفاء: أي صيرهم آفكين. قال أبو حاتم: يعني قلبهم عما كانوا عليه من النعيم، وروى عن ابن عباس أنه قرأ بالمد وكسر الفاء بمعنى صارفهم (وما كانوا يفترون) معطوف على إفكهم: أي وأثر افترائهم أو أثر الذي كانوا يفترونه.
والمعنى: وذلك إفكهم: أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله وتشفع لهم (وما كانوا يفترون) أي يكذبون أنها آلهة.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأحقاف جبل بالشام. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه في قوله (هذا عارض ممطرنا) قال: هو السحاب. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته، إنما كان يتبسم، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه، قلت: يا رسول الله، الناس إذا رأو الغيم فرحوا أن يكون فيه المطر. وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، قال: " يا عائشة: وما يؤمنني أن يكون فيه عذاب، قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب، فقالوا - هذا عارض ممطرنا - ". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به، فإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سرى عنه، فسألته فقال: لا أدري، لعله كما قال قوم عاد - هذا عارض ممطرنا - " وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب السحاب وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس في قوله (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم) قالوا غيم فيه مطر، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من رجالهم ومواشيهم تطير بين السماء والأرض مثل الريش دخلوا بيوتهم وغلقوا أبوابهم، فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما لهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمل وطرحتهم في البحر، فقهو قوله (فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم