والذلة لظهور أثره فيها (ترهقهم ذلة) أي تغشاهم ذلة شديدة وحسرة وندامة (وقد كانوا يدعون إلى السجود) أي في الدنيا (وهم سالمون) أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل. قال إبراهيم التيمي: يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقال سعيد بن جبير: يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون، وجملة (وهم سالمون) في محل نصب على الحال من ضمير يدعون (فذرني ومن يكذب بهذا الحديث) أي حل بيني وبينه وكل أمره إلى فأنا أكفيكه. قال الزجاج: معناه لا يشتغل به قلبك، كله إلى فأنا أكفيك أمره. والفاء لترتيب ما بعدها من الأمر على ما قبلها، و " من " منصوب بالعطف على ضمير المتكلم أو على أنه مفعول معه، والمراد بهذا الحديث القرآن، قاله السدى. وقيل يوم القيامة، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجملة (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) مستأنفة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله " ذرني ومن يكذب بهذا الحديث "، والضمير عائد إلى من باعتبار معناها، والمعنى: سنأخذهم بالعذاب على غفلة ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج، لأنهم يظنونه إنعاما ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته. قال سفيان الثوري: يسبغ عليهم النعم وينسيهم الشكر. وقال الحسن: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه. والاستدراج ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال، ويقال استدرج فلان فلانا: أي استخرج ما عنده قليلا قليلا، ويقال درجة إلى كذا واستدرجه: يعنى أدناه إلى التدريج فتدرج هو. ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين فقال (وأملى لهم) أي أمهلهم ليزدادوا إثما، وقد مضى تفسير هذا في سورة الأعراف والطور، وأصل الملاوة المدة من الدهر، يقال أملي الله له: أي أطال له المدة، والملا: مقصور الأرض الواسعة، سميت به لامتدادها (إن كيدي متين) أي قوي شديد فلا يفوتني شئ، وسمى سبحانه إحسانه كيدا كما سماه استدراجا لكونه في صورة الكيد باعتبار عاقبته ووصفه بالمتانة لقوة أثره في التسبب للهلاك (أم تسألهم أجرا) أعاد سبحانه الكلام إلى ما تقدم من قوله - أم لهم شركاء - أي أم تلتمس منهم ثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله (فهم من مغرم مثقلون) المغرم الغرامة: أي فهم من غرامة ذلك الأجر، ومثقلون: أي يثقل عليهم حمله لشحهم ببذل المال، فأعرضوا عن إجابتك بهذا السبب، والاستفهام للتوبيخ والتقريع لهم، والمعنى: أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم (أم عندهم الغيب فهم يكتبون) أي اللوح المحفوظ، أو كل ما غاب عنهم، فهم من ذلك الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التي يزعمون أنها تدل على قولهم ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك ويحكمون لأنفسهم بما يريدون ويستغنون بذلك عن الإجابة لك والامتثال لما تقوله (فاصبر لحكم ربك) أي لقضائه الذي قد قضاه في سابق علمه، قيل والحكم هنا هو إمهالهم وتأخير نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، وقيل هو ما حكم به عليه من تبليغ الرسالة، قيل وهذا منسوخ بآية السيف (ولا تكن كصاحب الحوت) يعنى يونس عليه السلام: أي لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة والظرف في قوله (إذ نادى) منصوب بمضاف محذوف: أي لا تكن حالك كحالة وقت ندائه، وجملة (وهو مكظوم) في محل نصب على الحال من فاعل نادى، والمكظوم المملوء غيظا وكربا. قال قتادة: إن الله يعزى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ويأمره بالصبر ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت، وقد تقدم بيان قصته في سورة الأنبياء ويونس والصافات، وكان النداء منه بقوله - لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين -
(٢٧٦)