تسبحون: يعني تستثنون، وسمى الاستثناء تسبيحا، لأنه تعظيم لله وإقرار به، وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه، وقال مجاهد وأبو صالح وغيرهما: كان استثناؤهم تسبيحا. قال النحاس: أصل التسبيح التنزيه لله عز وجل، فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله. وقيل المعنى: هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها، وكأن أوسطهم قد قال لهم ذلك، فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم للجنة على تلك الصفة (قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين) أي تنزيها له عن أن يكون ظالما فيما صنع بجنتنا، فإن ذلك بسبب ذنبنا الذي فعلناه، وقيل معنى تسبيحهم الاستغفار: أي نستغفر ربنا من ذنبنا إنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا للمساكين (فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) أي يلوم بعضهم بعضا في منعهم للمساكين وعزمهم على ذلك، ثم نادوا على أنفسهم بالويل حيث (قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين) أي عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء وترك الاستثناء. قال ابن كيسان: أي طغينا نعم الله فلم نشكرها كما شكرها أبونا من قبل، ثم رجعوا إلى الله وسألوه أن يعوضهم بخير منها فقالوا (عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها) لما اعترفوا بالخطيئة رجوا من الله عز وجل أن يبدلهم جنة خيرا من جنتهم، قيل إنهم تعاقدوا فيما بينهم وقالوا إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعن كما صنع أبونا، فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم من ليلتهم ما هو خير منها. قرأ الجمهور " يبدلنا " بالتخفيف، وقرأ أبو عمرو وأهل المدينة بالتشديد، وهما لغتان، والتبديل تغيير ذات الشئ، أو تغيير صفته، والإبدال رفع الشئ جملة ووضع آخر مكانه، كما مضى في سورة سبأ (إنا إلى ربنا راغبون) أي طالبون منه الخير راجون لعفوه راجعون إليه وعدى بإلى وهو إنما يتعدى بعن أو في لتضمينه معنى الرجوع (كذلك العذاب) أي مثل ذلك العذاب الذي بلوناهم به وبلونا أهل مكة عذاب الدنيا، والعذاب مبتدأ مؤخر، وكذلك خبره (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) أي أشد وأعظم لو كان المشركون يعلمون أنه كذلك ولكنهم لا يعلمون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (كما بلونا أصحاب الجنة) قال: هم ناس من الحبشة كان لأبيهم جنة وكان يطعم منها المساكين، فمات أبوهم فقال بنوه: أن كان أبونا لأحمق كان يطعم المساكين (فأقسموا (ليصر منها مصبحين) وأن لا يطعموا مسكينا. وأخرج ابن جرير عنه (فطاف عليها طائف) قال: أمر من الله وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إياكم والمعصية، فإن العبد ليذنب الذنب الواحد فينسى به الباب من العلم، وإن العبد ليذنب فيحرم به قيام الليل، وإن العبد ليذنب الذنب فيحرم به رزقا قد كان هيئ له. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) قد حرموا خير جنهم بذنبهم ". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (كالصريم) قال: مثل الليل الأسود. وأخرج ابن المنذر عنه (وهم يتخافتون) قال: الإسرار والكلام الخفي. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضا (على حرد قادرين) يقول ذو قدرة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (إنا لضالون) قال: أضللنا مكان جنتنا. وأخرجا عنه أيضا (قال أوسطهم) قال: أعدلهم.