أي كالصبح انصرم من الليل، يعنى أنها يبست وابيضت. وقال المبرد: الصريم الليل، والصريم النهار: أي ينصرم هذا عن هذا، وذاك عن هذا، وقيل سمى الليل صريما لأنه يقطع بظلمته عن التصرف. وقال المؤرج:
الصريم الرملة لأنها لا يثبت عليها شئ ينتفع به. وقال الحسن: صرم منها الخير: أي قطع (فتنادوا مصبحين) أي نادى بعضهم بعضا داخلين في الصباح. قال مقاتل: لما أصبحوا قال بعضهم لبعض (أن اغدوا على حرثكم) و " أن " في قوله " أن اغدوا " هي المفسرة لأن في التنادي معنى القول، أو هي المصدرية: أي بأن اغدوا، والمراد اخرجوا غدوة، والمراد بالحرث الثمار والزرع (إن كنتم صارمين) أي قاصدين للصرم، والغدو يتعدى بإلى وعلى، فلا حاجة إلى تضمينه معنى الإقبال كما قيل، وجواب الشرط محذوف: أي إن كنتم صارمين فاغدوا، وقيل معنى صارمين ماضين في العزم، من قولك سيف صارم (فانطلقوا وهم يتخافتون) أي ذهبوا إلى جنتهم وهم يسرون الكلام بينهم لئلا يعلم أحد بهم، يقال خفت يخفت: إذا سكن ولم ينبس، ومنه قول دريد بن الصمة:
وإني لم أهلك ملالا ولم أمت * خفاتا وكلا ظنه بي عويمر وقيل المعنى: يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم، فيقصدوهم كما كانوا يقصدون أباهم وقت الحصاد، والأول أولى لقوله (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) فإن أن هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول والمعنى: يسر بعضهم إلى بعض هذا القول، وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين، فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم (وغدوا على حرد قادرين) الحرد يكون بمعنى المنع والقصد. قال قتادة ومقاتل والكلبي والحسن ومجاهد: الحرد هنا بمعنى القصد، لأن القاصد إلى الشئ حارد يقال: حرد يحرد إذا قصد، تقول: حردت حردك: أي قصدت قصدك، ومنه قول الراجز:
أقبل سيل جاء من عند الله * يحرد حرد الجنة المحله وقال أبو عبيدة والمبرد والقتيبي: على حرد على منع، من قولهم حردت الإبل حردا: إذا قلت ألبانها، والحرود من النوق هي القليلة اللبن. وقال السدي وسفيان والشعبي (على حرد) على غضب، ومنه قول الشاعر:
إذا جياد الخيل جاءت تردى * مملوءة من غضب وحرد وقول الآخر: تساقوا على حرد دماء الأساود ومنه قيل أسد حارد. وروى عن قتادة ومجاهد أيضا أنهما قالا: على حرد: أي على حسد. وقال الحسن أيضا: على حاجة وفاقة. وقيل على حرد: على انفراد، يقال حرد يحرد حردا أو حرودا: إذا تنحى عن قومه ونزل منفردا عنهم ولم يخالطهم، وبه قال الأصمعي وغيره.
وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم، وقال السدي: اسم جنتهم. قرأ الجمهور " حرد " بسكون الراء. وقرأ أبو العالية وابن السميفع بفتحها، وانتصاب (قادرين) على الحال. قال الفراء: ومعنى قادرين: قد قدروا أمرهم وبنوا عليه، وقال قتادة: قادرين على جنتهم عند أنفسهم. وقال الشعبي: يعنى قادرين على المساكين (فلما رأوها) أي لما رأوا جنتهم وشاهدوا ما قد حل بها من الآفة التي أذهبت ما فيها (قالوا إنا لضالون) أي قال بعضهم لبعض: قد ضللنا طريق جنتنا وليست هذه، ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم، وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا (بل نحن محرومون) أي حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها، فأضربوا عن قولهم الأول إلى هذا القول، وقيل معنى قولهم (إنا لضالون) أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم (قال أوسطهم) أي أمثلهم وأعقلهم وخيرهم (ألم أقل لكم لولا تسبحون) أي هلا